بين الشغف والمهارةكيف تصنع مستقبلك المهني وتوازن بين ميولك وفرص سوق العمل؟

بقلم/
الأخصائية غادة شوعي
أخصائية نفسية وأخصائية القياس النفسي والمهني والأسري

مقدمة:
في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيرات، لم يعد السؤال الوحيد الذي يوجه قراراتنا المهنية هو: “ماذا أحب؟”. بل أصبح السؤال الأهم هو: كيف أدمج بين ما أهوى، وما أبرع فيه، وما يتطلبه سوق العمل؟
النجاح الحقيقي لم يعد حكراً على المتفوقين أكاديميًا، بل أصبح حليفًا لمن يفهم ذاته بعمق، ويخطط لمستقبله بذكاء، وفقًا لرؤية الوطن 2030 التي فتحت آفاقًا واسعة لمجالات وتخصصات غير تقليدية، تواكب العصر وتحقق الطموحات.

أولًا: ما الفرق بين الشغف والمهارة؟
الشغف هو ما يثير فيك الحماس ويشعرك بالارتياح عند ممارسته.
المهارة هي القدرة التي تطورها وتتقنها، وقد لا تكون مرتبطة بالشغف.
السر الحقيقي هو أن تجد نقطة الالتقاء بين الاثنين:
شغفك × مهاراتك × حاجة السوق = مسارك المهني الأمثل.

ثانيًا: كيف تكتشف ميولك المهنية؟
إليك خطة عملية ومُجربة:

اختبر نفسك بذكاء:
استثمر في اختبارات معتمدة مثل:
مقاييس خاصة بالميول المهني لدى متخصصين.
منصة “مستقبلي” من هيئة تقويم التعليم والتدريب.
“Career Explorer” المجاني.

دوّن ملاحظاتك اليومية:
متى تشعر بالحماس؟
في أي مادة أو نشاط تتماهى مع نفسك؟
ما المهام التي تتقنها دون ملل؟

اسأل من حولك:
زملاء، أسرة، معلمون: ما المهارة التي يرونك مبدعًا فيها؟

ثالثًا: ماذا تقول لنا رؤية 2030؟
رؤية المملكة 2030 فتحت آفاقًا جديدة في تخصصات غير تقليدية، منها:
المجال / التخصصات المطلوبة:
التقنية / الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، تحليل البيانات.
السياحة والترفيه / الإرشاد السياحي، إدارة الفعاليات، التسويق السياحي.
الطاقة المتجددة / هندسة الطاقة، الاستدامة البيئية.
الإعلام الرقمي / إنتاج المحتوى، العلاقات العامة، الإعلام الرقمي.
الصحة / طب الطوارئ والإسعاف، طب نفسي، الصحة العامة، التمريض، طب الجراحة وغيرها.

اختر تخصصك بحكمة، ولكن لا تهمل ميولك الشخصية، فهي مفتاح النجاح الحقيقي.

رابعًا: ماذا لو كنت تائهًا في تحديد ميولك؟
لا تقلق، فالكثير ممن يواجهون هذا التحدي كانوا في مكانك.
هنا يأتي دور المختصين في الإرشاد المهني، والبرامج الوطنية لاكتشاف الميول، مثل:
برنامج “بوابة المستقبل”
برامج “الميول المهني لدى متخصصين محترفين في ذلك”

استفد من جلسة استكشافية مع أخصائي مهني، لمساعدتك على:
قراءة نتائج اختباراتك بدقة.
ربطها بالتخصصات الملائمة.
وضع خطة دراسية ومهنية تتوافق مع ميولك ومهاراتك وسوق العمل.

خامسًا: تمارين عملية تُحرض على التفكير العميق:

تمرين “خريطة ذاتية”:
ارسم دائرة في المنتصف واكتب اسمك، ثم اسحب ثلاث أسهم فرعية:
ما أحب فعله
ما أجد نفسي فيه
أحلامي وطموحاتي
تحليل النقاط المشتركة يوجهك نحو اختيار التخصص الأنسب.

تمرين “تجربة واقعية”:
اختر تخصصًا يثير اهتمامك، ثم ابحث عن:
ثلاثة أشخاص درسوا فيه، وتواصل معهم.
ثلاثة وظائف متاحة في السعودية لهذا التخصص.
متوسط الراتب وساعات العمل.
فكر: هل يمكنني أن أعيش هذا النمط من الحياة؟

سادسًا: قصص نجاح واقعية

س/ كانت تعشق الرسم، ولكن بعد جلسة إرشاد، أدركت أن حب التفاصيل ينسجم تمامًا مع التصميم الداخلي، فدرست تخصصه، واليوم تعمل في شركة تطوير عقاري ناجحة.
ع/ كان يطمح في الطب، لكنه اكتشف شغفه بالأرقام وتحليل البيانات، فغير مساره، واليوم يعمل في قطاع حكومي ضمن رؤية 2030.

الخاتمة:
لا تتخذ قرارك بشكل عشوائي أو رد فعل مؤقت.
بل اجعله خطوة محسوبة، مبنية على فهم عميق، مدعومة بخطة واضحة، وموجهة برؤية مستقبلية.
اختيار تخصصك هو اختيار لحياتك كلها؛ فلتكن قرارة نابعًا من وعي، وعقلية استباقية، وقلب واثق.

واخيرا: رسالتي للآباءوالأمهات،
استثمروا في مستقبل أبنائكم وبناتكم، فدعمكم هو المفتاح الذي يفتح لهم أبواب النجاح والإبداع. لا تترددوا في تشجيعهم على استكشاف ميولهم، ومرافقتهم في رحلة اكتشاف الذات، وتوفير البيئة التي تعزز ثقتهم بأنفسهم. فبناء شخصية قوية ومهارات متينة، يبدأ من الاهتمام والدعم المستمرين من الأسرة، ليصبحوا بعد ذلك قادة المستقبل ورواد التغيير في وطنهم.
ابدأ اليوم رحلتك، ولا تتردد في طلب الدعم المهني — فكل ما تحتاجه هو نية صادقة، وعقل منفتح، وخطوة جريئة نحو مستقبل مشرق.