بقلم د. عصام عسيري
إن مشاهدة الفنون والاستمتاع بلذّتها الجمالية عند تلقيها عمليةٌ لها انعكاساتها على تفكير العقل، وانبساط أعصاب وعضلات البدن، وتصفّي الروح من شوائب الزمن فتريح النفس.
تذوّق الفن عند الإنسان ممارسة يومية بالغة التعقيد؛ نظرا لأنها تحمل طابعا إنسانيا، وهذه المسألة بحثها العديد من العلماء والفلاسفة المفكرين والفنانين والأدباء، فمالذي يجعل الإنسان يصنع الفن؟ وكيف؟ ومكامن تعقيد هذه العملية عوامل متعددة تتداخل في تكوينها فلسفة الجمال، وعوامل نفسية المتذوق وميوله واتجاهاته وقدراته وهواياته وثقافته، والقيم الفنية المتمركزة في العمل التشكيلي كمفردات وتكوين وخطوط وألوان وأشكال وتصاميم.
هناك ثغرات كثيرة في علاقة الفنان والمتلقّي في فهم لغة الفن والذكاء البصري في الاتصال الإنساني؛ وهنا نجد أن دراسات حس وشعور وإدراك ووعي معرفة الإنسان تضطرب باضطراباته؛ فالإنسان ظاهرة لا تتكرر حتى في سمات شخصيات التوائم، بالإضافة إلى الإنسان خفي المشاعر الوجدانية وعمليات التفكير الذهنية والخيال والأحلام في يقظته ومنامه، وهنا يتفاوت الأفراد في تذوق الفنون وفي التواصل والتفكير البصري كفروق فردية، لكن يعلو هذا الفئات جميعها ذوو العيون الثاقبة في الفنون من لهم مهارات فائقة في قراءة الصورة ومكوناته وما يحيطها، وتحليل وتفسير وتقييم العمل الفني.
في الحقيقة، هناك عدة مفاهيم وتفسيرات لا تعد ولا تحصى حول مفهوم الفن وأذواقه والجمال وفلسفاته وتعريفاتهما. مثل أن الفن هو “النظام” وهو “مرآه الحضارة” وهو “حياة الإنسان” وهو “أنسنة المادة” وهو “صُنع الأشياء المبهرة”، الفن “وسيلة اتصال جماعي”، الفن هو مَنفَس للشحنات الانفعالية السارة أووالضارة عند الإنسان، وهو الرغبة في صنع شيء جميل مدهش أو مختلف فريد.
إن الفن عملية وجدانية يتمخّض عنها الأعمال الفنية التي تبلورها الخبرة والثقافة والإحساس وبُعد الرؤية ومدى القيم. الفن هو توافق بين عالم الجمال والمتعة، وعالم الوجدان والروح، وعالم العقل والبناء، ومزج بين الذات والموضوع وتفاعل بين الروح الإنسانية والطبيعة نفسها، وتحديات مع الظروف والخامات، الفنان يسعى لتوظيف كل معارفه ومهاراته وعواطفه لإنتاج عمل فني ليرقى لمستوى الإبداع يظهر فيه أسلوبه ملمح روحه.
أظن الفن أكبر من كل التعاريفات السائدة، فكلمة الفن تطلق بالخطأ أحيانا على كل عمل فني مرئي أو مسموع أو مقروء والذي تتوفر فيه قيم جمالية في الشكل أو المضمون، ولكن الفن منطقيا هو العملية الداخلية لدى الإنسان والتي تحدث نتيجة تفاعلات وجدانية وعقلية وعضلية، يهدف الفنان من ورائها إحداث ترجمة للأفكار أو التعبير عن الأحاسيس والمشاعر أو تمثيل للخيالات في شكل ما يظهر للعيان كفن بصري، أي وسيلة تنقل رسالة الفنان كمرسل للجمهور كمستقبِل، والجمهور واسع قد يكون منه مشاهد عادي أو مؤرخ أو ناقد أو أي شخص له اهتمام بالفن وثقافته راقية.
في النهاية، يبدو لي أن الفن هو شيء لازال غامض عالق يرفض أن يتحدد ويتقيد ويُقولَب بتعريف أو مفهوم ما حتى لو ساد. لذا، كلما عرّفنا الفن، تجدد وتطور حتى ظهرت عشرات الموضات الفنية في القرنين العشرين وبداية الواحد والعشرين، ولا نستطيع معرفة شكل الفن العام القادم، كما أعتقد أن من حق كل فنان وإنسان يُعرّف الفن ويفهمه ويتذوقه وينتجه ويستلذ به بطريقته.
س: ما تعريفك للفن، وما فلسفته بعينك الثاقبة؟
د. عصام عسيري
من كتاب العين الثاقبة
الصور لثلاثيات من أعمال الدكتور عصام عسيري
زيت على لوح ٢٥٠/١٢٥ سم.🌹