نقلا عن مركز الإعلام الافتراضي
كان الحجاج القادمون من الصين، ورغم عددهم القليل، يحجون إلى مدينة مكة المكرمة سيرًا على الأقدام، في رحلة تستغرق سنة ونصف السنة تقريبًا. فالحج بالنسبة لمسلمي الصين كان صعبًا جدًا، إذ أن المسافة بين بلادهم ومكة المكرمة بعيدة جدًا.
دخل الإسلام إلى مناطق عديدة من الصين منذ القرون الهجرية الأولى، مع إرسال أوائل المبعوثين المسلمين إلى ساحل الصين الشرقي في عصر الخلفاء الراشدين، ومن ثم انتشر من هناك إلى الداخل الصيني عبر مراحل طويلة، متأثرًا بالبعثات التجارية التي كانت تربطهم بالمسلمين.
ولبى مسلمو الصين كسواهم من مسلمي العالم على مر العصور؛ دعوة الحج برحلات لم تنقطع لأداء المناسك في مكة المكرمة، إلا أن الأعداد بقيت محدودة، وذلك يعود إلى سببين مهمين: الأول يتمثل في بعد المسافة التي كانت تستغرق مسيرة عام كامل للوصول، وعام مثله للعودة قبل اختراع وسائل النقل الحديثة.والسبب الثاني هو التكلفة المادية المرتفعة التي تتطلبها رحلة الحج، التي كانت من أقصى آمال مسلمي الصين.
وعلى الرغم من تلك الصعوبات، إلا أن مسلمي الصين كانوا عازمين على أداء مناسك الحج. وتشير السجلات التاريخية الصينية إلى أن الحجاج من الصين قطعوا أشواطًا طويلة وبعيدة بمعنويات عالية وإرادة صلبة، وخاضوا رحلات كبيرة من أجل أداء فريضة الحج، استغرقت أشهرًا طويلة.دروب صعبةوفقًا للوثائق التاريخية، فقد شقّ الحجاج طريقًا لرحلتهم إلى مكة المكرمة فيها كثير من الصعاب والمشاق، وشملت رحلاتهم خطوطًا بحرية وبرية، تسلقوا خلالها الجبال، وعبروا الأنهار، وتحدوا الأمواج المتلاطمة، وقاوموا الفيضانات الهائلة والعواصف في البحار والمحيطات، وإجتازوا بلاد الهند، وبنغلاديش، أو أبحروا من خلال المحيط الهندي وبحر العرب، ثم البحر الأحمر للوصول إلى ميناء جدة في النهاية.ويذكر التاريخ الصيني عديدًا من القصص عن مكة، حيث يقول المؤرخ الصيني “جو كوا” في القرن الثالث عشر الميلادي إنه يمكن السفر عن طريق ميناء مرباط إلى مكة والمدينة، ويستغرق السفر شهرين وعشرين يومًا.وفي عام 1432م أقام المترجم المسلم الصيني “ما هوان” في مكة المكرمة لمدة ثلاثة أشهر، أثناء عمله في رحلات أسطول الكنز الاستكشافية التي أمر بها الإمبراطور الصيني “يونغ لي”.ووصف المترجم “مان هوان” مكة المكرمة ببلاد المربع السماوي، قاصدًا فيها الشكل الرباعي للكعبة، وذكر أنها على مسيرة يوم واحد باتجاه غرب جدة، وكان تحديده للاتجاه خاطئًا وملتبسًا، وذكر بعض صفات أهل مكة وطقسها الحار.مكة حاضرة في التاريخ الصينيكذلك ذكرت مكة في التاريخ الصيني أيضا عبر المؤرخ الصيني “فاه سين” عام 1520م، الذي ذكر مكة والمدينة المنورة استنادًا إلى المخطوطات التي كتبها رحالة أسطول الكنز، ولم يزر المؤرخ “فاه سين” مكة أو المدينة. كما دخلت حكايات الحج إلى الموروث الثقافي الصيني، وتذكر إحدى الروايات الصينية القديمة جدًا، قصة رجل صيني مسلم مسن يريد أن يرحل إلى الحج مع إحدى القوافل المتجهة إلى مكة للحج والتجارة،وقرر الرجل أن يؤمن حفيده اليتيم الذي يعوله عند صديقه صانع الفخار، وقبل صديقه بأن يرعى الطفل حتى يعود سالمًا من الحج، وأبدى استعداده لأن يرعاه إلى الأبد في حال لم يعد الجد.أما في حقبة الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، فكان الحجاج ينضمون إلى قوافل التجارة. وينطلقون من منطقة غرب مقاطعة يونان، متسلقين الجبال، عابرين الأنهار الضخمة التي تعترض طريقهم.بعدها يستقل الحجاج سفينة في نهر إراوادي من مدينة ماندلاوي عاصمة مملكة ميانمار وقتها، وهي ترفع شعارها متوجها نحو مدينة يانجون، التي تسمى أيضًا رانجون وهي عاصمة ميانمار الحالية أو بورما سابقًا، والتي تشغل الجزء الشمالي الغربي من شبه جزيرة الهند الصينية، وتطل على بحر البنغال.
ثم يستقل الحجاج سفينة تبحر بهم متجهة صوب الغرب.