لا تهتم ولا تغتم، فلست وحدك في هذا الكون

في لحظة ما، يباغتنا شعور ثقيل بالهم يثقل كواهلنا، ويغمرنا الغم بلا تفسير واضح، وقد نجد أنفسنا نبحث عن إجابة لمشكلة عالقة أو لمعنى ضائع، لكنها لا تأتي. في تلك اللحظات، قد يعترينا إحساس قاسٍ بالعزلة، وكأننا الوحيدون الذين يحملون هذا العبء في فضاء واسع. لكن مهلاً… ماذا لو أخبرتك أن هذا الشعور، بقدر ما هو مؤلم، هو جزء أصيل من التجربة الإنسانية المشتركة؟ وأن الإحساس بالوحدة في هذه المعاناة هو مجرد وهم يزول بمجرد أن نرفع رؤوسنا لنرى من حولنا؟ في هذا المقال، سنكتشف لماذا لا يجب أن نسمح للهم والغم أن يسيطر علينا، وكيف أن إدراكنا بأننا جزء من نسيج بشري أكبر يمكن أن يكون مفتاح الطمأنينة والقوة التي نبحث عنها.

إن الشعور بالهم والغم، خاصةً عندما لا تجد إجابة لما يشغل بالك، هو شعور إنساني طبيعي يمر به الكثيرون. قد يكون الأمر مرهقًا ومحبطًا، لكن هناك عدة طرق للتعامل معه:


فهم المشكلة

  • تحديد مصدر الهم والغم: حاول أن تحدد بوضوح ما الذي يسبب لك هذا الشعور. هل هو موقف معين، شخص، قرار محدد، أو مجرد شعور عام بعدم الارتياح؟
  • تحديد طبيعة “الجواب” الذي تبحث عنه: هل هو حل لمشكلة، فهم لموقف، تأكيد على قرار، أم مجرد إيجاد معنى لما يحدث؟

استراتيجيات للتعامل مع الهم والغم

  • التعبير عن مشاعرك:
    • التحدث مع شخص موثوق به: قد يساعدك التحدث مع صديق، فرد من العائلة، أو معالج نفسي في تفريغ ما بداخلك والحصول على منظور مختلف.
    • الكتابة: تدوين أفكارك ومشاعرك في مفكرة يمكن أن يساعدك على تنظيمها وفهمها بشكل أفضل.
  • التركيز على ما يمكنك التحكم به:
    • في كثير من الأحيان، يكون الهم ناتجًا عن أمور خارجة عن سيطرتنا. حاول أن تركز طاقتك على الأمور التي يمكنك التأثير فيها واتخاذ خطوات عملية بشأنها.
    • إذا كان هناك شيء لا يمكنك التحكم به، حاول تقبل هذا الواقع والبحث عن طرق للتكيف معه.
  • البحث عن حلول (إذا كان هناك حل):
    • تقسيم المشكلة: إذا كانت المشكلة كبيرة، حاول تقسيمها إلى أجزاء أصغر وأكثر قابلية للإدارة.
    • العصف الذهني للحلول: فكر في جميع الحلول الممكنة، حتى لو بدت غير واقعية في البداية.
    • طلب المساعدة المتخصصة: إذا كانت المشكلة معقدة أو تؤثر على حياتك بشكل كبير، فلا تتردد في طلب المساعدة من متخصصين مثل الأطباء النفسيين أو المستشارين.
  • الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية:
    • النوم الكافي: قلة النوم يمكن أن تزيد من مشاعر التوتر والهم.
    • التغذية السليمة: الغذاء الصحي يؤثر إيجابًا على الحالة المزاجية.
    • النشاط البدني: ممارسة الرياضة بانتظام تساعد على تقليل التوتر وتحسين المزاج.
    • ممارسات الاسترخاء: اليوجا، التأمل، أو تمارين التنفس العميق يمكن أن تساعد في تهدئة العقل والجسم.
  • تقبل عدم وجود إجابة فورية:
    • بعض الأسئلة في الحياة قد لا يكون لها إجابة واضحة أو فورية. تعلم كيفية التعايش مع حالة عدم اليقين يمكن أن يكون جزءًا مهمًا من السلام الداخلي.
    • في بعض الأحيان، الجواب الذي تبحث عنه قد لا يظهر إلا بمرور الوقت أو بعد اكتساب تجارب جديدة.
  • التفكير الإيجابي وتقدير النعم:
    • حاول أن تركز على الجوانب الإيجابية في حياتك وتشعر بالامتنان لما لديك.
    • تذكر أن هذه المشاعر مؤقتة وستمر.

متى تطلب المساعدة المتخصصة؟

إذا استمرت مشاعر الهم والغم لفترة طويلة، وأثرت سلبًا على حياتك اليومية، عملك، علاقاتك، أو نومك، فمن المهم جدًا أن تطلب المساعدة من متخصص في الصحة النفسية. يمكن للطبيب النفسي أو المعالج أن يقدم لك الدعم، الاستشارات، أو العلاج اللازم لمساعدتك على تجاوز هذه المرحلة.

تذكر أنك لست وحدك في هذا، وأن طلب المساعدة هو علامة قوة وليس ضعف.


في الختام… لست وحدك، ومعك الخالق

في نهاية المطاف، قد لا نجد دومًا إجابة سريعة لكل تساؤلاتنا، وقد لا يتبدد الهم والغم بلمسة زر. لكن الأهم من البحث عن حلول فورية هو إدراكنا العميق بأننا لسنا معزولين، وأن هذه المشاعر التي تختلج في صدورنا، من خيبة أمل أو حيرة وألم، هي جزء لا يتجزأ من النسيج الإنساني الذي يربطنا ببعضنا البعض.

ولعل الأهم من ذلك، هو تذكر أن هناك مصدرًا لا ينضب للقوة والطمأنينة: الارتباط بالخالق. فالله وحده هو من يملك القلوب وبيده مقاليد كل شيء. عندما تضيق عليك السبل وتتيه الأجوبة، وتثقل الأحمال، فإن التوجه إليه بالدعاء والتضرع يفتح لك أبوابًا من السكينة لم تكن لتعرفها. في كل لحظة خشوع، تجد القلوب المتعبة راحتها، والنفوس المضطربة سكينتها.

فلتكن هذه المعرفة – أنك لست وحدك، وأن خالق هذا الكون الواسع معك – مصدر قوتك وسكينتك. لا تهتم ولا تغتم، لأنك حقًا لست وحدك في هذا الكون، ومعك من يملك الأكوان كلها. وبمجرد أن تفتح قلبك لهذه الحقيقة، ستجد أن الحمل قد خفّ، وأن طريق النور قد بدأ بالظهور.


الأستاذ عبدالله بنجابي سكرتير مركز حي العوالي بمكة المكرمة مؤسس مجموعة محبي مكة

شاهد أيضاً

خطباء الحرمين الشريفين يؤكدون على فضائل العمل الصالح والإخلاص في موسم الحج

منصور نظام الدين –عبدالله بنجابي :مكة المكرمة:- أكد خطباء الحرمين الشريفين، في خطبتي الجمعة اليوم، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *