محبي مكة
بقلم وديع بنجابي
الذوق هو ذلك النبض الخفي الذي يوجّه الإنسان في اختياراته اليومية، بدءًا من اختيار ملابسه وأسلوبه في الكلام، إلى تفاعله مع الفن والجمال في الحياة. هو قدرة فطرية تنمو وتتطور عبر التجربة والتعلم، ويعد بوابة لفهم الجمال والتعبير عن الذات.
الذوق والجمال
يتجلى الذوق كوسيلة لفهم الجمال، وهو مفهوم ناقشه الفلاسفة على مر العصور. يرى أفلاطون أن الجمال مرتبط بالمُثُل العليا، بينما أشار أرسطو إلى أن الجمال يُدرك من خلال التوازن والتناغم. أما كانت، فقد ربط الجمال بالذوق الفني واعتبره قدرة عقلية تتجاوز المنفعة أو الأخلاق، حيث يكون الحكم الجمالي ذاتيًا ولكنه ينطوي على طابع كوني.
الذوق كأداة للتمييز
الذوق ليس مجرد تفضيل شخصي؛ بل هو أداة لتمييز التفاصيل الدقيقة التي قد يغفل عنها الآخرون. إنه يعبر عن شخصية الإنسان وثقافته، ويعكس تفاعله مع محيطه. فالإنسان ذو الذوق الرفيع قادر على تقدير التفاصيل الجمالية في لوحة فنية، نص أدبي، أو حتى لحظة إنسانية بسيطة.
أهمية الذوق في الحياة اليومية
- التواصل: الذوق يؤثر في طريقة تواصلنا مع الآخرين. اختيار الكلمات بعناية، نبرة الصوت، وحتى الابتسامة تعكس مستوى الذوق.
- الإبداع: الذوق هو مصدر إلهام للفنانين والكتاب والمصممين. إنه المحرك الذي يجعلهم يخلقون أعمالاً فنية تحمل طابعاً فريداً.
- القرارات الأخلاقية: يرتبط الذوق أحيانًا بالقيم الأخلاقية، حيث يساعدنا على اتخاذ قرارات تتسم بالحكمة والإنسانية.
كيف نطور الذوق؟
تطوير الذوق يتطلب التعرض لتجارب متنوعة والانفتاح على الأفكار المختلفة. قراءة الأدب، زيارة المتاحف، الاستماع إلى الموسيقى، وحتى السفر، كلها طرق لتعزيز الذوق. كما أن التأمل في الطبيعة وفهم الثقافات الأخرى يعمق الفهم الجمالي.
الذوق في الثقافة المكية
الثقافة المكية، التي تمثل مزيجاً فريداً من الأصالة والانفتاح، تزخر بمظاهر الذوق الرفيع. يظهر ذلك في الهندسة المعمارية، فن الخط العربي، والأزياء التقليدية. الذوق هنا لا يقتصر على الجانب الجمالي، بل يشمل أيضاً الأخلاق والتفاعل الإنساني الراقي.
خاتمة
الذوق هو نافذتنا لفهم الجمال وإثراء حياتنا. إنه يعكس هويتنا ويمكّننا من بناء علاقات أعمق مع الآخرين ومع العالم من حولنا. في مدينة كريمة مثل مكة، يتجلى الذوق في كل جانب من جوانب الحياة، ليذكرنا دائماً أن الجمال ليس فقط ما نراه، بل ما نشعر به ونعيشه.
