في عصر الصورة تتكاثر فيه الأساليب الفنية وتذوب فيه الحدود بين “اللوحة” و”السلعة”، يأتي الفيلسوف الأمريكي آرثر دانتو (Arthur C. Danto) ليقلب الطاولة على مفاهيمنا التقليدية حول الفن، عبر كتابه الشهير “بعد نهاية الفن” “After the End of Art” الذي صدر عام 1997، مستندًا إلى سلسلة محاضرات ألقاها في متحف واشنطن للفنون.
الكتاب ليس مجرد تنظير فلسفي، بل محاولة عميقة لقراءة التحولات الكبرى في مسيرة الفن الغربي، من الكلاسيكية إلى الحداثة ثم إلى ما أسماه “ما بعد الفن”.
كان آرثر دانتو (1924–2013) فيلسوفًا وناقدًا فنيًا مرموقًا، وأستاذًا للفلسفة في جامعة كولومبيا، وناقدًا فنيًا لمجلة The Nation لعقود. عُرف بدمجه الفلسفة التحليلية بالفن، وبقراءاته الفلسفية لأعمال معاصرة مثل أندي وارهول ومارسيل دوشامب.
ما معنى “نهاية الفن”؟
لا يعني دانتو بـ”نهاية الفن” أن الفن توقف عن الوجود، بل يقصد أن التاريخ الخطي للفن الذي كان يسير نحو هدف (مثل الواقعية، الجمال، الأصالة…) قد انتهى. الفن الآن ليس ملزَمًا بأسلوب أو سردية موحدة، بل أصبح “كل شيء مباحًا”، ويعتمد على فكرته ومفهومه أكثر من شكله أو تقنيته.
من الحداثة إلى ما بعد الحداثة، يقدم دانتو تحليلاً نقديًا للانتقال من الفن الحديث الذي سعى للتماهي مع “جوهر الفن” — إلى فن ما بعد الحداثة الذي تفتت فيه المركز، وبرزت فيه اتجاهات مثل الفن المفاهيمي والبوب آرت والفن الأدائي.
يرى دانتو أن مارسيل دوشامب، عندما عرض مبولته كـ”فن”، فتح الباب لتعريف جديد للفن لا يستند إلى الجمال أو التقنية، بل إلى سياقه الفلسفي والثقافي.
اقتباسات لافتة من الكتاب
دور الفيلسوف بعد “نهاية الفن”
في مرحلة ما بعد الفن، يرى دانتو أن الناقد أو الفيلسوف أصبح هو من يمنح العمل “شرعيته الفنية”، عبر التأويل الفلسفي. فالعمل الفني لم يعد يُقيَّم بناءً على مظهره، بل على المعنى الذي يُقترح له.
وهنا يبرز سؤال جوهري:
هل لا يزال هناك “فن” كما فهمناه عبر قرون، أم أننا دخلنا عصر “المفاهيم البصرية” بلا حدود؟
الكتاب في سياق الفكر الغربي، يُقارن دانتو بأفلاطون من جهة، حين يناقش ماهية الفن، وبهيغل من جهة أخرى، لأنه يقتبس منه فكرة نهاية التاريخ. لكنه يذهب أبعد، معلنًا أن الفن تحرر أخيرًا من كل القيود، ودخل في “تعدد لا نهائي من الإمكانيات”.
ختاما، “ما بعد نهاية الفن” ليس نعيًا للفن، بل إعلان ولادة حرية جديدة له أو أشكال جديدة من الصور، حيث يغدو كل شيء مشروعًا، والسؤال الأهم ليس “كيف رُسمت اللوحة؟”، بل “لماذا هي فن؟”. في عصر تتسارع وتتعاظم فيه الصور والأفكار، يُذكّرنا دانتو أن النقد الفلسفي لم يعد ترفًا، بل ضرورة لفهم “فن بلا حدود”.
د. عصام عسيري
رأيكم ينيرني ويثريني ياراقين🌹
رابط الكتاب على أمازون
https://www.amazon.com/After-End-Art-Arthur-Danto/dp/0691002991
الصور من إنتاج ٢٠٢٥م.