شريعة حمورابي الأسس القانونية لأقدم نظام قانوني في التاريخ

بقلم هاني الوكيل – طالب حقوق جامعة عين شمس

تُعد شريعة حمورابي من أشهر وأقدم القوانين المدونة التي أنشأها الملك حمورابي الذي حكم مدينة بابل في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. لفهم أهميتها، من الضروري معرفة الفرق بين “شريعة بابل” و”شريعة حمورابي”، وكذلك كيف بدأت شريعة حمورابي.

الفرق بين شريعة بابل وشريعة حمورابي

تُشير “شريعة بابل” بشكل عام إلى مجموعة من القوانين والممارسات القانونية التي سادت في مدينة بابل عبر العصور المختلفة. كانت بابل مركزًا حضاريًا هامًا شهد تطورًا قانونيًا مستمرًا، وشملت قوانين سابقة لشريعة حمورابي مثل قوانين لبت عشتار وإشنونا. في هذا السياق، يمكن أن نرى “شريعة بابل” كإطار أوسع يشمل مختلف التشريعات والقوانين التي نشأت وتطورت في المنطقة.

أما “شريعة حمورابي”، فهي مجموعة قانونية محددة أُصدرت في عهد الملك حمورابي وتُعد واحدة من أولى المجموعات القانونية المدونة والمعلنة علنًا. تم نقش القوانين على مسلة حجرية كبيرة وعرضها في الأماكن العامة، مما جعلها متاحة لجميع المواطنين ليعرفوا حقوقهم وواجباتهم. هذا التدوين العلني يعكس اهتمام حمورابي بتعزيز الشفافية والعدالة، مما يميز شريعته عن غيرها من القوانين السابقة.

كيف بدأت شريعة حمورابي؟

بدأت شريعة حمورابي كاستجابة للضرورات التنظيمية والاجتماعية في فترة حكم الملك حمورابي، الذي قاد بابل في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. بعد أن نجح حمورابي في توحيد معظم بلاد ما بين النهرين تحت حكمه، أدرك الحاجة إلى قانون موحد ينظم علاقات المواطنين ويعزز الاستقرار في إمبراطوريته المتنامية.

رأى حمورابي أن وضع قانون مدون يكون له تأثير كبير على تحقيق العدالة وضمان النظام. لتحقيق ذلك، قام بنقش القوانين على مسلة حجرية كبيرة، ونسخها بطريقة تجعلها مرئية للجميع. المسلة كانت تحتوي على مقدمة تصف حمورابي بأنه “الملك العادل” الذي اختاره الآلهة لتحقيق العدالة والرخاء، تلتها نصوص القوانين ثم خاتمة تركز على أهمية تطبيقها.

خطوة نحو العدالة

من أبرز مميزات شريعة حمورابي هو التدوين العلني للقوانين وعرضها في الأماكن العامة. تم نقش القوانين على مسلة حجرية كبيرة وعرضها في أماكن بارزة بالعاصمة بابل، مما أتاح لجميع المواطنين، من الفقراء إلى الأغنياء، الاطلاع على القوانين ومعرفة حقوقهم وواجباتهم. هذا التدوين العلني كان يهدف إلى تعزيز الشفافية وضمان تطبيق القوانين بشكل عادل ومتساوٍ.

تنظيم شامل للحياة اليومية

ضم قانون حمورابي حوالي 282 مادة قانونية تغطي مجموعة واسعة من القضايا التي تمس الحياة اليومية. تناول القوانين القضايا الجنائية والمدنية مثل السرقة والقتل والزنا، ووضع معايير واضحة لعقوبات هذه الجرائم. كما شملت القوانين تنظيم العلاقات الأسرية، والزواج والطلاق، والحقوق التجارية، والعقود، والديون، وقوانين الميراث. تعكس هذه الشمولية تعقيد وتنوع الحياة في المجتمع البابلي وضرورة وجود قوانين واضحة لتنظيمها.

العدالة بالمثل

اعتمد قانون حمورابي على مبدأ “العين بالعين والسن بالسن”، أو ما يعرف بـ “Lex Talionis”. كان هذا المبدأ يعتمد على المعاملة بالمثل كوسيلة لتحقيق العدالة، حيث تكون العقوبات متناسبة مع نوع الجريمة المرتكبة. رغم أن هذا المبدأ قد يبدو قاسيًا بمعاييرنا اليوم، إلا أنه في ذلك الوقت كان يعتبر خطوة نحو تحقيق العدالة والمساواة، حيث يهدف إلى ردع الجرائم وتعزيز التوازن في المجتمع.

نحو مجتمع أكثر عدالة

أولى قانون حمورابي اهتمامًا خاصًا بحماية الفئات الضعيفة مثل النساء، والأيتام، والعبيد. وضع القانون قواعد تضمن عدم تعرض هذه الفئات للظلم أو الاستغلال، مثل توفير التعويضات العادلة في حالات الإصابة، وفرض عقوبات على من ينتهك حقوقهم. هذا الاهتمام يعكس رؤية حمورابي لدور القانون في تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الجميع، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي.

تعزيز سلطة الدولة

أكد قانون حمورابي على مكانة الملك كأعلى سلطة تشريعية وقضائية في الدولة. كان حمورابي يقدم نفسه كوسيط بين الآلهة والشعب، مما يعزز من مكانة السلطة المركزية وقوة الدولة في تطبيق العدالة. تعكس هذه الرؤية رغبة حمورابي في ترسيخ النظام وتعزيز الاستقرار السياسي من خلال إطار قانوني موحد ومنظم.

الردع والحفاظ على النظام

تميز قانون حمورابي بصرامة العقوبات التي فرضها على الجرائم، حيث تنوعت بين الغرامات المالية والجلد، ووصلت إلى الإعدام في بعض الحالات. كانت هذه الصرامة تهدف إلى تحقيق الردع ومنع الجريمة، وهو ما يعكس فهمًا متقدمًا لدور القانون في حماية المجتمع وضمان أمنه واستقراره.

الابتكار القانوني نحو تنظيم اقتصادي متطور

اهتم قانون حمورابي بتنظيم الحياة الاقتصادية بشكل مفصل، حيث وضع قواعد تنظم التجارة والأسعار والديون والفوائد. تعكس هذه القوانين تطور الحياة الاقتصادية في بابل وحرص الملك حمورابي على حماية الأطراف المتعاقدة وتنظيم العلاقات التجارية بشكل عادل ومنصف.

تأثير مستمر على الأنظمة القانونية الحديثة

يمكن القول إن قانون حمورابي يمثل خطوة مبتكرة ومهمة في تطور الفكر القانوني. فهو يقدم لنا لمحة عن كيفية تفكير الحضارات القديمة في قضايا العدالة والنظام، ويظهر أهمية وجود قوانين واضحة ومنظمة لضمان تحقيق العدالة وحفظ النظام في المجتمع. ورغم مرور آلاف السنين، لا يزال تأثير هذا القانون واضحًا في الأنظمة القانونية الحديثة، حيث تبقى المبادئ الأساسية مثل الشفافية، والعدالة، وحماية الحقوق، والتوازن الاجتماعي هي الركائز الأساسية لأي نظام قانوني في العصر الحديث.

حمورابي والعدالة الخالدة

لقد كان قانون حمورابي رمزاً للتطور القانوني والعدالة في التاريخ الإنساني. وبينما ننظر إلى هذا القانون كقطعة أثرية من الماضي، يبقى مفهوم العدالة التي سعى إلى تحقيقها هدفًا نبيلًا يسعى إليه كل مجتمع حديث. قانون حمورابي ليس مجرد نصوص قديمة محفورة على الحجر، بل هو تجسيد لفكرة أن العدالة والتنظيم القانوني هما أساس استقرار وازدهار المجتمعات في كل زمان ومكان.

نُشر في قسم القانون بصحيفة “محبي مكة”.

شاهد أيضاً

ندوة أوقاف البلقان

يسر المعهد الدولي للوقف الإسلامي دعوتكم الى ندوة أوقاف البلقان حيث تستضيف الندوة عدداً من …