مراجعة المستشار وديع بنجابي
شهد مؤتمر تقنية الموارد البشرية الذي أقيم في سنقافورة حول إدارة الموارد البشرية جلسة مميزة قادها الأستاذ “ديف أولريتش”، الذي يُعتبر من أبرز المتخصصين في هذا المجال. تناول “أولريتش” عدة مفاهيم محورية حول دور الموارد البشرية، مسلطاً الضوء على العلاقة بين الشركة والسوق، وكيفية تطور دور الموارد البشرية من مجرد وظيفة إدارية إلى مساهم رئيسي في نجاح الأعمال. إلى جانب هذه الملاحظات القيمة، تفاعل الجمهور بشكل مميز، وقدموا مداخلات ثرية زادت من عمق النقاش.
الملاحظات الرئيسية التي طرحها ديف أولريتش:
1. السياق هو المملكة، والمحتوى هو الملك:
أكد أولريتش على أهمية السياق الذي تعمل فيه الشركة كأحد العناصر الأساسية التي تشكل عمل الموارد البشرية. وأوضح أن السياق يشمل التحديات التي تواجه العالم مثل جائحة كوفيد-19، التغيرات السياسية، وتطور التكنولوجيا. ويكمن دور الموارد البشرية في فهم هذه السياقات والتكيف معها من خلال توفير محتوى ذي قيمة للمؤسسة. حيث قال: “السياق هو المملكة، والمحتوى هو الملك”. هذا يعني أن الشركات الناجحة هي تلك التي تستطيع أن تبتكر محتوى يتناسب مع التغيرات الخارجية وتظل مرنة في مواجهة التحديات.
2. الموارد البشرية ليست فقط عن الموارد البشرية:
شدد أولريتش على أن الموارد البشرية لا ينبغي أن تركز فقط على تحسين إدارة الموظفين داخل المؤسسة، بل يجب أن تساهم في خلق قيمة حقيقية للسوق. وقال: “إذا لم ننجح في السوق، فلن يكون هناك مكان للعمل”. هذه المقولة تمثل نهجًا جديدًا يربط بين تجربة الموظفين وتجربة العملاء والمستثمرين، مشيرًا إلى أنه يجب على الشركات أن تضمن أن مواردها البشرية تساهم في تحقيق أهداف السوق.
3. تنمية القدرات البشرية:
من الملاحظات القيمة التي أوردها “أولريتش” هي أن نجاح الشركة يعتمد على ثلاث عوامل رئيسية: المواهب، القيادة، والتنظيم. وقد أشار إلى أهمية تنمية قدرات الأفراد بشكل مستمر، حيث أوضح أن القيادة الفعالة هي التي تتمكن من جمع هذه العناصر معاً وتحقيق التميز المؤسسي. وخلال الجلسة، قدم للحضور مثالًا تفاعليًا حول كيفية دمج المواهب مع القيادة والتنظيم في بيئة العمل بشكل مبتكر.
4. القادة الجيدون يجعلون الآخرين يشعرون بتحسن:
إحدى النقاط الأكثر تأثيراً التي تناولها “أولريتش” هي دور القادة في تعزيز الثقة والإيجابية لدى الموظفين. وأوضح أن القادة الذين ينجحون في وظائفهم هم الذين يجعلون من يتعاملون معهم يشعرون بتحسن بعد كل لقاء. كما أشار إلى أن تقديم الملاحظات البناءة يجب أن يكون بطريقة تدعم تحسين الأداء، مستشهداً بمثال لقائد قام بإصلاح خطأ كبير من خلال تقديم تغذية راجعة إيجابية، مما حفز الموظف على التعلم من الخطأ بدلاً من تثبيطه.
5. ثقافة الشركة تبدأ من الخارج إلى الداخل:
ركز أولريتش على مفهوم الثقافة التنظيمية وقال إن الثقافة ليست مجرد مجموعة من القيم الداخلية، بل يجب أن تكون انعكاساً لما تريده الشركة أن تكون عليه في السوق. وأوضح أن الثقافة الحقيقية هي التي تعزز العلاقة مع العملاء وتعكس القيم التي يريد العملاء رؤيتها في المؤسسة. من خلال هذه النظرة الخارجية، يجب على المؤسسات أن تضمن أن ثقافتها تعزز الوعود التي تقدمها للسوق والعملاء.
6. بناء علاقات قوية داخل فريق الموارد البشرية:
من بين النقاط الرئيسية التي أثارها “أولريتش” كانت أهمية العلاقات الداخلية في فرق الموارد البشرية. وأشار إلى أن نجاح أي قسم للموارد البشرية لا يعتمد على الهيكل التنظيمي أو الوضوح في الأدوار، بل على العلاقات بين أعضائه. وشدد على أن العلاقة الجيدة بين زملاء العمل هي التي تعزز الأداء العام، وتخلق بيئة عمل إيجابية تساعد على التعاون وتحقيق الأهداف المشتركة.
7. التكنولوجيا تدعم التحول:
كما تطرق “أولريتش” إلى الدور المتزايد للتكنولوجيا في مجال الموارد البشرية، مشيراً إلى أنها أداة حيوية لتحليل البيانات واتخاذ القرارات المدروسة. وأوضح أن التكنولوجيا توفر معلومات رقمية تسهم في تحسين العمليات وتسهيل التحول المؤسسي، مشيراً إلى أن المستقبل يحمل فرصاً كبيرة لتبني الأدوات الرقمية في تحسين أداء الموارد البشرية.
مداخلات الجمهور وإضافاتهم القيمة:
خلال الجلسة، قدم الجمهور مداخلات غنية أثرت النقاش وساهمت في تعميق الأفكار التي طرحها “أولريتش”. من بين هذه المداخلات كانت ملاحظة إستر مارتينيز، التي أضافت بُعداً عملياً للحديث عن القيادة. حيث أشارت إلى أهمية التفكير من منظور “حل المشكلات” بالنسبة للقادة. وقالت: “أحب حل المشكلات، فأي مشكلة هي بالنسبة لي فرصة للتعلم والنمو”. وبهذه الملاحظة، أكدت إستر على دور القادة في تحويل التحديات إلى فرص للتعلم والإبداع، وهو أمر يتماشى مع رؤية أولريتش حول تحسين قدرات الأفراد ورفع مستوى القيادة.
إحدى المداخلات الأخرى التي أثارت اهتمام الحضور كانت حول كيفية جعل الموارد البشرية أكثر فعالية في مواجهة التغيرات التكنولوجية السريعة. أحد الحاضرين أشار إلى أن الكثيرين يدخلون مجال الموارد البشرية بدافع الرغبة في مساعدة الآخرين، لكنهم يجدون أنفسهم مجبرين على التكيف مع واقع السوق الذي يركز بشكل أكبر على الأداء التجاري. رد “أولريتش” كان واضحاً: “اهتم بنفسك أولاً حتى تتمكن من الاهتمام بالآخرين”، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك توازن بين الاهتمام بالأفراد وتحقيق نتائج ملموسة للشركة.
كما تمت مناقشة فكرة إشراك العملاء في عمليات الموارد البشرية، حيث تم طرح سؤال حول كيفية التأكد من أن سياسات التدريب والتوظيف تساهم في تحسين تجربة العملاء. أجاب أولريتش بأن هذه إحدى أهم التحديات التي تواجه الشركات اليوم، وأنه يجب على إدارات الموارد البشرية إشراك العملاء والمستثمرين في وضع معايير تقييم الموظفين وتطوير البرامج التدريبية.
التوجهات المستقبلية للموارد البشرية:
أنهى أولريتش الجلسة بتفاؤل حول مستقبل الموارد البشرية، مشدداً على أن “الأفضل لم يأت بعد”. ورأى أن الموارد البشرية اليوم تقف في قلب التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، وأن هناك فرصة حقيقية أمام الشركات لتطوير نهجها في التعامل مع التحديات المستقبلية. ودعا الجميع إلى استغلال الفرص التي تقدمها التكنولوجيا والتفكير بطرق جديدة لتحقيق النجاح.
بهذه الأفكار والنصائح القيمة، ترك “أولريتش” الحضور مع مجموعة من الأدوات والأفكار التي يمكنهم استخدامها لتحسين ممارسات الموارد البشرية في مؤسساتهم، وضمان خلق قيمة مستدامة للسوق وللأفراد على حد سواء.
خلال الجلسة التي قادها “ديف أولريتش”، أشار إلى مفهوم تجربة الموظف (Employee Experience) وربطها بتجربة العملاء والمستثمرين. وأكد على أن التركيز على تجربة الموظف وحدها ليس كافياً إذا لم يكن هناك تواصل بين تلك التجربة وتجربة العملاء.
أولريتش أشار إلى أن العديد من الشركات والمؤسسات تولي اهتماماً كبيراً لتحسين تجربة الموظف، مثل تحسين ظروف العمل، والبرامج التدريبية، وزيادة التفاعل بين الموظفين والإدارة. ولكن التحدي الحقيقي يكمن في ربط تجربة الموظف بتجربة العميل. بمعنى آخر، إذا كانت تجربة الموظف داخل المؤسسة ممتازة، لكن ذلك لم ينعكس على كيفية تقديم الخدمات أو المنتجات للعملاء، فإن هذه الجهود لا تؤدي إلى النجاح الكامل.
وقال “أولريتش”: “إذا لم ننجح في السوق، فلن يكون لدينا مكان عمل”. وهذا يعني أن تجربة الموظف يجب أن تكون متوافقة مع أهداف الشركة في السوق، أي أن الموظفين الذين يشعرون بالرضا في بيئة العمل يجب أن يكونوا قادرين على تقديم تجربة أفضل للعملاء. وبالتالي، تحسين تجربة الموظف يجب أن يُترجم في النهاية إلى زيادة رضا العملاء والمستثمرين، وهذا ما يضمن النجاح المستدام للمؤسسة.