سيُحدث ثورة حقيقية في مجال الهندسة المعمارية بالجزائر
2024/09/23
قد يتساءل الكثير منّا: كيف ستكون مشاهد البنايات بالأحياء والشوارع بكبريات مدن الجزائر، لاسيما منها الجديدة على المدى المتوسط أو في غضون 20 سنة المقبلة على الأكثر؟ هل سنتخطى تصاميم العمارات المستنسخة والمتشابهة التي تفتقد إلى الإبداع والحس الجمالي، أم سنتوجه إلى ابتكارات جديدة مذهلة وفريدة باستعمال الذكاء الاصطناعي؟ لتكون الانطلاقة من مختلف أنماط المشاريع السكنية الكبرى، نركب بموجبها قطار العصرنة لتغيير هندستنا المعمارية القديمة، وهل يمكن إقناع المهندس المعماري المحلي على مسايرة الذكاء الاصطناعي، أم أن مغامرة اقتحام التقنيات الجديدة تربكه؟ أم أن القوانين الجزائرية لم تحيّن بعد لتتماشى مع هذا التطور الذي بانت نتائجه الإيجابية بالعديد من الدول المتطورة؟
تحدّيات كبيرة تواجه أصحاب المهنة مستقبلا، لإظهار ما يمكن إضافته لبلدهم، بهدف إحداث تغييرات على التصاميم الجديدة في البناء، من خلال التسابق الذي ينتظر أن يبلغ أوجه لولوج عالم الذكاء الاصطناعي، على أمل إعطاء وجه مغاير للعديد من المشاريع، ولم لا تكون سكنات “عدل3” والتساهمي والترقوي، النموذج الأصلح لحمل هذه الابتكارات، لتشكّل تحفة من الإبداع، وصولا إلى المدن الجديدة المنتظر استحداثها، تحمل معها هي الأخرى الكثير من التصاميم الابتكارية، تفرض إقحام مجال الذكاء الاصطناعي، ذاك التحوّل الرقمي المتسارع الذي ألزمته التطورات التكنولوجية، سيترك آثاره على مختلف مجالات الحياة بمنح حلول سريعة وتحولات أخرى، سواء ما تعلق منها بالجانب الخاص بالابتكارات ونمط العيش الأكثر مرونة أم تحسين الإنتاج وتوفير الوقت والجهد فضلا عن إيجابيات أخرى قد تعيد برمجة حتى أساليب عيش الأفراد وتفكيرهم، مع منح مشهد مغاير جذّاب للبنية التحتية ومشاريع البناء بالأحياء والمدن، بإقحام هذه التقنية في مجال الهندسة المعمارية.
روبوت كامل.. أول برنامج جزائري لفائدة المهندسين المعماريين
بتغيّر بعض قوانين الهندسة المدنية بالجزائر، يسابق المهندسون المعماريون الزمن من أجل الوصول إلى عالم الابتكارات التي تفرضه الرقمنة، إذ استطاع في هذا الصدد مهندسون شباب إنشاء أول برنامج أو تطبيق عبر التراب الوطني والإفريقي تحت مسمى “روبوت كومبليت”، ضمن شركة ناشئة تهتم بالدراسات وحساب البيانات، ويقول في هذا الصدد أمين مزوزي مسؤول مؤسسة Sarl civilease، المتواجد مقرّها بعنابة، إن هذا البرنامج سيُنهي العمل اليدوي المتعِب للمهندس، بل يعوّضه بنسبة 100% أوتوماتيكيّا، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي سيعوّض مجهود المهندس الذي سيقتصر دوره هنا في التسيير، لافتا إلى أن الشركات التي كانت توظف سابقا 10 مهندسين على سبيل المثال، يمكن أن تكتفي بواحد أو اثنين باستعمال هذه التقنية، لكن مقابل ذلك ستسرّع وتيرة المشاريع بل يمكن إنجاز أكبر عدد منها في وقت وجيز، وبإبداع وإتقان أكثر مع تقليص الأخطاء التي عادة ما يقع فيها المهندس، كما تتضاعف المشاريع الاستثمارية -كما قال- فما كان يتطلّب 5 سنوات لإنجازه يمكن أن يتقلص إلى شهرين أو ثلاثة، أما حساب البيانات الذي عادة ما يجهد لأجله المهندس شهورا، فيمكن أن ينجز في ثوان معدودات.
تصاميم عصرية تحمل علامة جزائرية
يقول الدكتور سفيان زايدي، مدير دار الذكاء الاصطناعي بجامعة أم البواقي وعضو اللجنة الوطنية للرقمنة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إن استعمال أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنياته في مختلف الاختصاصات، أضحى أمرا لابد منه في ظل التطور التكنولوجي الرهيب الذي شهدته التقنية في مجال الهندسة المعمارية، إذ أصبح له دور هام في إنشاء تصاميم ذات جودة عالية، ابتكارية وفي مدة قصيرة، مشيرا إلى أنه وبالأمس القريب كان المهندس المعماري يستغرق وقتا معتبرا لإنشاء تلك التصاميم، كما كان يحتاج معلومات كثيرة لإعدادها، أما اليوم، فباستخدام برامج للذكاء الاصطناعي، أصبح لأي شخص ولو خارج الاختصاص، القدرة على إنشاء تصاميم ابتكارية عصرية في مدة قصيرة.
ولفت المتحدث في تصريح لـ”الشروق اليومي”، إلى أن للذكاء الاصطناعي لمسة مميزة مقارنة بالطريقة التقليدية لإنشاء التصاميم، إذ أنه يأخذ بعين الاعتبار عدة معايير في الغرض، كالمحيط، وطبيعة المنطقة، وطبيعة المناخ، وثقافة المنطقة، متوقعا أن يستخدم الذكاء الاصطناعي بالجزائر في إنشاء تصاميم عصرية بشكل كبير خلال السنوات القادمة، وأن يتجه أكثر نحو التنوع والإبداع، مختلفا عن التصاميم اليدوية التي تفتقد إلى التنوع غير أنها ستحافظ على الهوية الإسلامية العربية الجزائرية وفق التنوع الثقافي للوطن.
لكنّ المتحدث نبّه إلى سلبيات الذكاء الاصطناعي مثله مثل إيجابياته في مجال الهندسة المعمارية، مشيرا إلى أنه سيساهم لا محالة في زيادة البطالة في المجال بكل بقاع العالم، لأنه سيحلّ محل المهندس، فضلا عن أنه سيمنح عديد التصاميم التي تفتقد للروح المتمثلة في اللمسة الفنية للمهندس المعماري.
فرصة للشركات الناشئة والطلبة
ينتظر أن يفتح الذكاء الاصطناعي، بحسب ما أكده المسؤول عن العلاقات العامة بمنتدى الشباب والشركات الناشئة، حمزة حريز، آفاقا جديدة أمام الإبداع والكفاءة في الهندسة المعمارية الخاصة بالمدن والأحياء والمشاريع الكبرى الأخرى وحتى المباني الفردية، إذ تفوق قدرته على معالجة البيانات الهائلة وتحليلها، فالذكاء الاصطناعي شريك مثالي للمهندسين والمصممين، إذ يساعدهم على تحويل الأفكار المبدعة إلى واقع ملموس بسرعة وكفاءة ومن تصميم مبانٍ أذكى وأكثر استدامة، تتكيف مع كل البيئات، مما يقلل من استخدام الموارد ويحافظ على الطبيعة.
هذه التقنيات الحديثة لا تقتصر -كما قال- فقط على التصميم، بل تمتد إلى إدارة المشاريع، والتخطيط، وحتى تنفيذ عمليات البناء بدقة عالية، فإلى جانب إعطاء جمالية للمباني والأحياء، وجعلها أكثر وظيفية واستدامة، ستكون متناغمة مع احتياجات سكانها، إذ تعمل المباني بتقنيات ذكية لإدارة استهلاك الطاقة وتحسين الظروف البيئية، مثل الأحلام ستتحقق في المستقبل، أما الملاعب والمتاجر والمشاريع التنموية الكبرى، فهي الأخرى -بحسب حريز- ستشهد تغييرات جذرية، ويمكننا تصور مساحات حضرية تتسم بالجمال الوظيفي، والذكاء، مواقع تكون مريحة ومستدامة لتحقيق التوازن بين التوسع الحضري والبيئة الطبيعية. ومن هذا المنطلق، ستكون للشركات الناشئة الفرصة السانحة – يؤكد حريز- للاستفادة من هذه الثورة الرقمية، في مجال التصميم والبناء، ضمن ابتكارات وحلول جديدة ومنه ولوج المنافسة في سوق الهندسة المعمارية وإحداث فرق حقيقي في القطاع لبناء شراكات إستراتيجية.
وفي السياق، قالت أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة أم البواقي، آمال بن زاوي، إن طلاب الجامعات بإمكانهم المشاركة في البناء والتعمير عبر برامج المسابقات والتدريبات وورشات العمل فضلا عن مشاريع البحث، لتطوير معارفهم، ليكونوا جزءا من هذه التقنية في مجال بناء الوطن وتعميره، فجامعتهم -تقول- بدأت تندمج في مجالات الابتكار والتكنولوجيا، ولديها فرق بحث تعمل على مواضيع تهم المدن الذكية والبناء المستدام، وأشارت إلى أنها انطلقت في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل وتطوير حلول جديدة، الأمر الذي يشجع الطلاب على المشاركة في مشاريع بحثية واكتساب مهارات تطبيقية، وتنوي الجامعة مستقبلا منح المزيد من الاهتمام لهذه التقنيات الحديثة، من خلال إجراء شركات مع مؤسسات محلية وأجنبية، خدمة لسوق العمل، وذكّرت المتحدثة بـwork shop الأخير الذي قام به قسم الهندسة بالجامعة ذاتها إذ جرى تكوين للطلبة بمشاركة مختصين وأساتذة وطلبة من داخل الوطن وخارجه، لكن تبقى -بحسبها- غير كافية لمواكبة التطورات الحاصلة في المجال عالميا.
أما بشأن الشركات الناشئة، فذكرت المتحدثة، أن هذه التقنية بإمكانها فتح فرص كبيرة لابتكارات جديدة في مجال البناء الذكي وفي تصميم المدن الذكية لهؤلاء وللمؤسسات المصغرة، كما اعتبرتها فرصة لربط الجامعة بالواقع، مذكّرة بأن هناك شركات ناشئة كبيرة أنشِئت خلال الـ5 سنوات الأخيرة بالشرق الأوسط والعالم، تعتمد على تخطيط مشاريع عقارية مستدامة وأظهرت تأثيرها على الاقتصاد، وهو ما يمكن للجزائر أن تسير وفقه، بالنظر إلى إمكاناتها الكبيرة للاستثمار في هذه الشركات التي يمكن أن تقدّم مستقبلا حلولا في القطاع وتساهم في تطوير اقتصاد الوطن.
لهذا السبب تأخرنا في استغلال الذكاء الاصطناعي
لا يختلف اثنان على أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير في مجال التصاميم مستقبلا والتي تعتبر من القواعد الأساسية في الهندسة المعمارية، من خلال تحسين طرق الابتكار سواء في الأنظمة الخارجية أم الداخلية للمنازل كضبط درجة الحرارة وشدة الإنارة وتوفير استهلاك الطاقة والتخلّص من النفايات بطرق مبتكرة، والعديد من الطرق التي يمكن تغييرها حتى بواجهات البنايات التي قد تضفي وجها آخر بما فيها بنيتها التحتية، فضلا عن فوائد أخرى في التكلفة والسرعة، إذ يتيح إنشاء عشرات التصاميم في دقائق قليلة، كلها ايجابيات لا تزال غير مستغلة من طرف المهندسين المعماريين الجزائريين، الذين تختلف آراؤهم حول التقنية، فمنهم من لم يسمع إطلاقا بإقحام الذكاء الاصطناعي في المجال، بحسب جولة رقمية بالفضاء الأزرق لدى أصحاب بعض المكاتب الذين استجوبتهم “الشروق اليومي”، ومنهم من ينوي إقحام عمله في المجال، لتتبّع ما يطرأ من تطورات جديدة على القطاع.
مريم، مهندسة معمارية بمكتب في ولاية سطيف، قالت إن ولوج عالم الذكاء الاصطناعي في مجالهم المهني يتطلب تكوينات مكثّفة تكلف أموالا طائلة بالعملة الصعبة، أغلبها تكون عن بعد.
وذهب مهندس بشركة “harmonia design”، إلى القول إنهم لم يفكروا في إقحام الذكاء الاصطناعي في مجالهم المهني، مذكّرا بأن التقنية هي عبارة عن مجموعة من الخوارزميات قادرة على مساعدة المهندس في علاج واجهة البناية، ولفت المتحدث إلى جملة من المشاكل التي تعترض إقحام التقنية بالمجال، منها الإجراءات البيروقراطية بالإدارة، انطلاقا من البلديات ومن ثم مصالح المراقبة التقنية للبنايات التي تعتبر قوانينها مضبوطة وصارمة خاصة بعد زلزال 2003، ولم يتم تكييفها بالمعطيات الراهنة واعتبر أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفيد في التصاميم، ولا يفهم في قوانين البناء الخاصة بنا، فان كان “الديزاين” -كما قال جميل- يمكن لهيئة المراقبة التقنية رفضه، وأعطى مثالا عن الشرفات لدينا لا يمكن أن تتعدى المتر والنصف، في حين قد يطلبها الذكاء الاصطناعي بأكبر من ذلك، ما يجبر على تغيير الحديد وما إلى ذلك.
من جهته، قال فيصل إبراهيم، مهندس بمكتب في موزاية بالبليدة، إنه يقوم بالبحث من حين لآخر في كيفية تشغيل التقنية، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يحل محل المهندس إطلاقا بل يساعده في تخفيض مشقة العمل، ولفت إلى أنه استطاع -على سبيل المثال- إدخال صورة بتقنية ثلاثية الأبعاد لـ”فيلا” بموقع مختص، طلب من خلاله منحه صورة تضم بعض الإضافات أو الأساسات، فقام الذكاء الاصطناعي هنا بمنحه العديد من الصور بتصميمات مختلفة وجميلة، وأضاف المتحدث أن قلة من المكاتب الهندسية عندنا تعتمد على هذه التقنية، لأنها مكلفة، كما أن الاشتراكات بتلك المواقع ليست في متناول من بدأ يكتشف هذا العالم الجديد.
وكانت “الشروق” قد استفسرت عددا من المهندسين المعماريين حول تقنية الذكاء الاصطناعي في مجال الهندسة والتعمير، غير أن البعض منهم تحفظ، في حين بقيت الأسئلة التي أرسلت للبعض الآخر بدون جواب.
أما بخصوص مجال نمذجة معلومات البناء، فيعتبر أسامة حلاسة، صاحب مكتب هندسة بالعاصمة، واحد من أبرز المهندسين الجزائريين الذي يملك معارف معتبرة حول تقنية “BIM”، قال عبر صفحته بـ”الفايس بوك”، أن التقنية من اختصاصه لسنوات خارج الوطن، كان حلمه رؤيتها تتحقق بالجزائر ويكون جزءا من صنعها من خلال منح دورات لمكاتب الدراسات عن قرب وعن بعد وهو ما بدأ يتجسّد بالتدريج في الوقت الراهن.
أكثر من 20 بالمئة نسبة تخفيض تكاليف البناء
وتقول أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة أم البواقي، آمال بن زاوي لـ”الشروق اليومي”، إن استعمال الذكاء الاصطناعي بإمكانه تخفيض تكاليف البناء بنسبة 20 بالمئة، والرفع من الإنتاجية بـ25 بالمئة، وهي أرقامٌ صريحة أكدتها مجلة شهيرة، وهي التكنولوجية التي يمكن استغلالها من أجل إنجاز المشاريع السكنية الكبرى مثل الترقوي المدعم والتساهمي و”عدل”، وتسريعها بأقل التكاليف لأن الذكاء الاصطناعي -بحسبها- يساعد في تحليل البيانات الخاصة بالموقع، والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، ومخططات سكن محسّنة تساعد المهندسين على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات واقعية، كما يساعد على التصميم في البناء بطريقة أسرع بنسبة 50 بالمئة.
البنايات القديمة هي الأخرى يمكن للذكاء الاصطناعي تحسينُها وتعديلها من خلال اقتراح حلول لإنقاص استهلاك الطاقة، وتعديلات على أنظمة التدفئة والتهوية، وجعل الإضاءة أكثر كفاءة. ولفتت المتحدثة إلى أن التقنية تستخَدم في متابعة حالة البنايات حتى يتم التنبؤ بالمشكل قبل حدوثه، ما ينتج عنه توفير الأموال والقيام بالتصليحات والحفاظ على البنايات لمدة أطول. فـالذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه في النمذجة والمحاكاة ويساعد في صنع نماذج أو تسريع نماذج ثلاثية الأبعاد لبنايات قديمة ونماذج أخرى تساعد في عملية الترميمات ويقترح حتى كيفية استعمال الفضاءات الموجودة، ويقترح تعديلات بالأماكن الفارغة والتي ليست بها حركة على مستوى المدينة مثلا، بإنجاز طرق تكون فيها حركة.
وعن أكبر المشاريع السكنية التي تعول الدولة على تحقيقها، أكد المهندس مزوزي أمين، لـ”الشروق اليومي”، رغبتهم كشركة في الفوز بالصفقات المقبلة، ضمانا لتسريع المشاريع، فما كان يأخذ من الدراسات 3 سنوات سيتقلّص إلى أقل من 3 أشهر، وهو ما يعود بالربح على الدولة في الجانب المتعلق بالوقت، والتكاليف هي الأخرى ستتقلص من 20 إلى 30 بالمئة. أما عن تصاميم تلك المشاريع التي عادة ما تتشابه ما بين ولايات الوطن، فأكد أن مهامهم تقتصر على الهندسة المدنية التي تعنى بالدراسات والمواقع والحسابات، أما الهندسة المعمارية التي تعنى بالرسم، فهو عالم آخر لم يقحم فيه الذكاء الاصطناعي بعد في الجزائر.
ولفت المتحدث إلى نظرتهم المستقبلية بإمكانية مواكبة الدول المتطورة مثل ما تسير عليه أمريكا التي لا يمكن لها أن تسبقنا في الوقت الراهن بـ100 سنة أو أكثر في هذا المجال مثلما كان عليه في السابق -كما قال- بل لا تزيد المدة عن سنة فقط، وذلك بفضل التطور التكنولوجي، معلّقا ذلك بالقول، إننا قادرون على نقل البرامج والتطبيقات وضبطها بقوانين جزائرية في فترة قصيرة.
مواد بناء مستدامة وآمنة
في قطاع يعدّ فيه توفير الوقت والمال أمرا بالغ الأهمية، أصبح الذكاء الاصطناعي الحل المثالي للتعامل مع التحديات المعقدة المرتبطة بمشاريع البناء، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة وفعالية المشاريع من خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات، وإتمام المهام الصعبة، ويغير الذكاء الاصطناعي الطريقة التي نخطط وننفذ وندير بها مشاريع البناء والتشييد، إذ بإمكان الذكاء الاصطناعي ضمان الجودة والفعالية في البناء ويمكن للشركات من خلال تحديد العيوب والنقائص في البناء حفاظا على معايير الجودة، وتقول في السياق الأستاذة بن زاوي، إن الذكاء الاصطناعي يساهم في الترميم المستدام، ويقترح كذلك مواد بناء مستدامة، فضلا عن إمكانية تحليل المواد المستعملة، كما يقدّم اقتراحات صديقة للبيئة، ويقوم في الوقت نفسه بالمحافظة على الجانب المالي والتقني على حد سواء من خلال اكتشافه للعيوب في وقت مبكّر ضمانا لجودة المباني وسلامتها.
نمذجة معلومات البناء
ذكرت أستاذة الهندسة المعمارية، بن زاوي، أنه من غير الممكن استعمال الذكاء الاصطناعي في إنشاء البنية التحتية في شتى مجالات المشاريع الكبرى والصغيرة للبناء في الجزائر، من دون اللجوء إلى استعمال ما يسمى بنمذجة المباني المعروف بـBIM، وهو نظام شامل يستغل خاصة في المشاريع الكبرى، معتمد في مختلف الدول العالم بما فيها الشرق الأوسط، مشيرة إلى أنه من الضروري دمج الذكاء الاصطناعي بهذا النظام، ضمانا لإبعاد مشاكل التنسيق بين الفرق المتدخلة في مشاريع البناء والتعمير، فمثلا مشاريع البناء الكبرى التي تعول عليها الدولة مثل الترقوي المدعم والتساهمي و”عدل” وغيرها سيساعدها BIM في تتبع مختلف أطوارها وحتى الصيانة وما بعد البناء، ويساهم في تجميع المعلومة في مكان واحد، تكون متاحة لجميع الأطراف المشاركة في المشروع الذي سيكون متكاملا سواء في الجانب المتعلق بالتخطيط أم البناء. وهو النظام الذي تحدّث عنه عدد قليل من المهندسين عبر الفضاء الأزرق، لغياب وصول المعلومات وآخر المستجدات في التكنولوجيات الحديثة من جهة، وغياب التنسيق بين أصحاب القطاع من جهة أخرى.
الذكاء الاصطناعي التوليدي
تقول الأستاذة بن زاوي، إن الذكاء الاصطناعي، يستطيع تغيير ممارسات البناء، يولّد تصاميم ذكية أو بما يسمى بـ”الذكاء الاصطناعي التوليدي”، حيث يمكن أن يقدّم تصاميم ذكية تتماشى مع طبيعة البيئة المحلية، فبإمكانه منح نماذج معمارية تتماشى مع أجواء مناخية مختلفة، لأن البناء في المناطق الصحراوية -كما قالت- لا يعادل البناء في الشمال وهكذا في مجالات أخرى.
وأشارت المتحدثة، إلى أنه لو نقوم بالتقاط صورة بحي معين في مدينة جزائرية، على سبيل المثال، ونطلب من الذكاء الاصطناعي تغييرها، فسيقدم حتما صورة أخرى محسنة، لكن بدون بيانات صحيحة وكاملة عن الهوية وعن البيانات الاجتماعية والاقتصادية، عن الأبعاد والمساحات، يزوّد بها الذكاء الاصطناعي، ليتمكّن من منح لنا صور أكثر واقعية منه من الخيال، فرغم أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يفتح أبواب الفعالية التي تعتمد على نوعية البيانات المدخلة، وإبداع المصممين المهندسين، لأن التصاميم -كما قالت- تبقى مرتبطة بالواقع لكي تتكامل مع الخبرة البشرية.
الجزائر بعد 20 سنة!
الثورة الحقيقية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة بمختلف دول العالم ودول الشرق الأوسط، تفرض على الجزائر مسايرة المجال، من أجل إحداث تغيرات على مخططات المباني والأحياء وإعطائها أكثر جمالية وتنسيق مع منح الجودة في البنية التحية للمشاريع، وقال المهندس أمين مزوزي، بخصوص مستقبل البنايات وصور وهندسة المدن وتغيير نمط البناء خاصة بالمدن الجديدة التي ستستحدث مستقبلا، إن التغيير وارد لكن ليس في سنة بل قد يأخذ منا الأمر أكثر من 12 سنة. أما المدن القديمة كعنابة، على سبيل المثال، التي تمتلك الكثير من الأحياء والنسيج العمراني القديم الذي يعود إلى العهد الكولونيالي، فأكد المتحدث أنه سينهار في يوم من الأيام أو سيهدم في وقت ما، ما عدا منها تلك المصنفة كآثار، وسيعوض لا محالة بآخر جديد مستقبلا.
من جهتها، تؤكد الأستاذة الجامعية بن زاوي، عن رؤيتها المستقبلية للجزائر خلال الـ20 المقبلة، أن الاستعمال الصحيح للذكاء الاصطناعي، سيقودنا حتما إلى بناء مدن ذكية، لكونه يساعد على تنظيم المرور، استهلاك الطاقة، فمثلا لو نأخذ -كما قالت العاصمة، وهران أو قسنطينة وسطيف كنموذج لمدن ذكية، يمكن أن يتم التحكّم في طرقاتها الواسعة من خلال تنظيم حركة المرور، استهلاك الطاقة، تقديم كفاءة أمثل في قطاع النقل، كما يمنح تصاميم محسّنة، ويستطيع المهندسون استعمال الذكاء الاصطناعي -بحسبها- لتوليد تصاميم ذكية تستغل الطاقة بشكل فعال ومستدام وبنسبة منخفضة كما تستعمل الموارد بشكل أحسن، ويساهم في تقليص التكاليف وحماية البيئة.. مدن الجزائر ستملك مستقبلا تخطيط حضري محسّن وذكي، كما تمنح التقنية تحليل بيانات السكان في المساحات الخضراء وغيرها.. مما يترك المدن أكثر تنظيم ومرونة في الطرقات والحد من الضغط على البنية التحتية وغيرها. أما المشاريع، فستكون مراقبة في الوقت الحقيقي وبمواقع البناء.
سيُحدث ثورة حقيقية في مجال الهندسة المعمارية بالجزائر
بنايات مبتكرة.. تصاميم إبداعية ومدن عصرية بالذكاء الاصطناعي خلال سنوات
- 2024/09/23
- 979
- 0
https://googleads.g.doubleclick.net/pagead/ads?client=ca-pub-3639022183676464&output=html&h=250&slotname=4885918069&adk=3778090080&adf=2370361790&pi=t.ma~as.4885918069&w=300&abgtt=6&fwrn=7&lmt=1727209281&format=300×250&url=https%3A%2F%2Fwww.echoroukonline.com%2F%25D8%25A8%25D9%2586%25D8%25A7%25D9%258A%25D8%25A7%25D8%25AA-%25D9%2585%25D8%25A8%25D8%25AA%25D9%2583%25D8%25B1%25D8%25A9-%25D8%25AA%25D8%25B5%25D8%25A7%25D9%2585%25D9%258A%25D9%2585-%25D8%25A5%25D8%25A8%25D8%25AF%25D8%25A7%25D8%25B9%25D9%258A%25D8%25A9-%25D9%2588%25D9%2585%25D8%25AF%25D9%2586-%25D8%25B9%25D8%25B5%25D8%25B1&host=ca-host-pub-2644536267352236&wgl=1&uach=WyJBbmRyb2lkIiwiMTMuMC4wIiwiIiwiUk1PLU5YMSIsIjEyNy4wLjY1MzMuMTAzIixudWxsLDEsbnVsbCwiIixbWyJOb3QpQTtCcmFuZCIsIjk5LjAuMC4wIl0sWyJHb29nbGUgQ2hyb21lIiwiMTI3LjAuNjUzMy4xMDMiXSxbIkNocm9taXVtIiwiMTI3LjAuNjUzMy4xMDMiXV0sMF0.&dt=1727209278401&bpp=3&bdt=2622&idt=3273&shv=r20240919&mjsv=m202409180101&ptt=9&saldr=aa&abxe=1&cookie=ID%3D97be0fe11ec9494a%3AT%3D1721105742%3ART%3D1726726664%3AS%3DALNI_Ma3VL12g4Yeyvh9Ypt28Swg6jQ01g&gpic=UID%3D00000e903bc859e6%3AT%3D1721105742%3ART%3D1726726664%3AS%3DALNI_MZco6lpZIGjVQltgJf6Eljw3jsOtw&eo_id_str=ID%3D860ac441e46cea54%3AT%3D1721105742%3ART%3D1726726664%3AS%3DAA-AfjYdKLXjN-Hchv3bWej_Ax3d&prev_fmts=0x0&nras=1&correlator=3532765594292&frm=20&pv=1&u_tz=60&u_his=1&u_h=800&u_w=360&u_ah=800&u_aw=360&u_cd=24&u_sd=3&dmc=8&adx=30&ady=614&biw=360&bih=716&scr_x=0&scr_y=762&eid=44759875%2C44759926%2C44759837%2C31087376%2C31087430%2C95342765%2C31087333&oid=2&pvsid=170971805839179&tmod=1598476239&uas=0&nvt=1&ref=android-app%3A%2F%2Fcom.google.android.googlequicksearchbox%2F&fc=1920&brdim=0%2C0%2C0%2C0%2C360%2C0%2C360%2C772%2C360%2C772&vis=1&rsz=%7C%7CeoE%7C&abl=CS&pfx=0&fu=0&bc=31&bz=1&td=1&tdf=2&psd=W251bGwsbnVsbCxudWxsLDNd&nt=1&ifi=2&uci=a!2&fsb=1&dtd=3285
قد يتساءل الكثير منّا: كيف ستكون مشاهد البنايات بالأحياء والشوارع بكبريات مدن الجزائر، لاسيما منها الجديدة على المدى المتوسط أو في غضون 20 سنة المقبلة على الأكثر؟ هل سنتخطى تصاميم العمارات المستنسخة والمتشابهة التي تفتقد إلى الإبداع والحس الجمالي، أم سنتوجه إلى ابتكارات جديدة مذهلة وفريدة باستعمال الذكاء الاصطناعي؟ لتكون الانطلاقة من مختلف أنماط المشاريع السكنية الكبرى، نركب بموجبها قطار العصرنة لتغيير هندستنا المعمارية القديمة، وهل يمكن إقناع المهندس المعماري المحلي على مسايرة الذكاء الاصطناعي، أم أن مغامرة اقتحام التقنيات الجديدة تربكه؟ أم أن القوانين الجزائرية لم تحيّن بعد لتتماشى مع هذا التطور الذي بانت نتائجه الإيجابية بالعديد من الدول المتطورة؟
تحدّيات كبيرة تواجه أصحاب المهنة مستقبلا، لإظهار ما يمكن إضافته لبلدهم، بهدف إحداث تغييرات على التصاميم الجديدة في البناء، من خلال التسابق الذي ينتظر أن يبلغ أوجه لولوج عالم الذكاء الاصطناعي، على أمل إعطاء وجه مغاير للعديد من المشاريع، ولم لا تكون سكنات “عدل3” والتساهمي والترقوي، النموذج الأصلح لحمل هذه الابتكارات، لتشكّل تحفة من الإبداع، وصولا إلى المدن الجديدة المنتظر استحداثها، تحمل معها هي الأخرى الكثير من التصاميم الابتكارية، تفرض إقحام مجال الذكاء الاصطناعي، ذاك التحوّل الرقمي المتسارع الذي ألزمته التطورات التكنولوجية، سيترك آثاره على مختلف مجالات الحياة بمنح حلول سريعة وتحولات أخرى، سواء ما تعلق منها بالجانب الخاص بالابتكارات ونمط العيش الأكثر مرونة أم تحسين الإنتاج وتوفير الوقت والجهد فضلا عن إيجابيات أخرى قد تعيد برمجة حتى أساليب عيش الأفراد وتفكيرهم، مع منح مشهد مغاير جذّاب للبنية التحتية ومشاريع البناء بالأحياء والمدن، بإقحام هذه التقنية في مجال الهندسة المعمارية.
روبوت كامل.. أول برنامج جزائري لفائدة المهندسين المعماريين
بتغيّر بعض قوانين الهندسة المدنية بالجزائر، يسابق المهندسون المعماريون الزمن من أجل الوصول إلى عالم الابتكارات التي تفرضه الرقمنة، إذ استطاع في هذا الصدد مهندسون شباب إنشاء أول برنامج أو تطبيق عبر التراب الوطني والإفريقي تحت مسمى “روبوت كومبليت”، ضمن شركة ناشئة تهتم بالدراسات وحساب البيانات، ويقول في هذا الصدد أمين مزوزي مسؤول مؤسسة Sarl civilease، المتواجد مقرّها بعنابة، إن هذا البرنامج سيُنهي العمل اليدوي المتعِب للمهندس، بل يعوّضه بنسبة 100% أوتوماتيكيّا، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي سيعوّض مجهود المهندس الذي سيقتصر دوره هنا في التسيير، لافتا إلى أن الشركات التي كانت توظف سابقا 10 مهندسين على سبيل المثال، يمكن أن تكتفي بواحد أو اثنين باستعمال هذه التقنية، لكن مقابل ذلك ستسرّع وتيرة المشاريع بل يمكن إنجاز أكبر عدد منها في وقت وجيز، وبإبداع وإتقان أكثر مع تقليص الأخطاء التي عادة ما يقع فيها المهندس، كما تتضاعف المشاريع الاستثمارية -كما قال- فما كان يتطلّب 5 سنوات لإنجازه يمكن أن يتقلص إلى شهرين أو ثلاثة، أما حساب البيانات الذي عادة ما يجهد لأجله المهندس شهورا، فيمكن أن ينجز في ثوان معدودات.
تصاميم عصرية تحمل علامة جزائرية
يقول الدكتور سفيان زايدي، مدير دار الذكاء الاصطناعي بجامعة أم البواقي وعضو اللجنة الوطنية للرقمنة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إن استعمال أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنياته في مختلف الاختصاصات، أضحى أمرا لابد منه في ظل التطور التكنولوجي الرهيب الذي شهدته التقنية في مجال الهندسة المعمارية، إذ أصبح له دور هام في إنشاء تصاميم ذات جودة عالية، ابتكارية وفي مدة قصيرة، مشيرا إلى أنه وبالأمس القريب كان المهندس المعماري يستغرق وقتا معتبرا لإنشاء تلك التصاميم، كما كان يحتاج معلومات كثيرة لإعدادها، أما اليوم، فباستخدام برامج للذكاء الاصطناعي، أصبح لأي شخص ولو خارج الاختصاص، القدرة على إنشاء تصاميم ابتكارية عصرية في مدة قصيرة.
ولفت المتحدث في تصريح لـ”الشروق اليومي”، إلى أن للذكاء الاصطناعي لمسة مميزة مقارنة بالطريقة التقليدية لإنشاء التصاميم، إذ أنه يأخذ بعين الاعتبار عدة معايير في الغرض، كالمحيط، وطبيعة المنطقة، وطبيعة المناخ، وثقافة المنطقة، متوقعا أن يستخدم الذكاء الاصطناعي بالجزائر في إنشاء تصاميم عصرية بشكل كبير خلال السنوات القادمة، وأن يتجه أكثر نحو التنوع والإبداع، مختلفا عن التصاميم اليدوية التي تفتقد إلى التنوع غير أنها ستحافظ على الهوية الإسلامية العربية الجزائرية وفق التنوع الثقافي للوطن.
لكنّ المتحدث نبّه إلى سلبيات الذكاء الاصطناعي مثله مثل إيجابياته في مجال الهندسة المعمارية، مشيرا إلى أنه سيساهم لا محالة في زيادة البطالة في المجال بكل بقاع العالم، لأنه سيحلّ محل المهندس، فضلا عن أنه سيمنح عديد التصاميم التي تفتقد للروح المتمثلة في اللمسة الفنية للمهندس المعماري.
فرصة للشركات الناشئة والطلبة
ينتظر أن يفتح الذكاء الاصطناعي، بحسب ما أكده المسؤول عن العلاقات العامة بمنتدى الشباب والشركات الناشئة، حمزة حريز، آفاقا جديدة أمام الإبداع والكفاءة في الهندسة المعمارية الخاصة بالمدن والأحياء والمشاريع الكبرى الأخرى وحتى المباني الفردية، إذ تفوق قدرته على معالجة البيانات الهائلة وتحليلها، فالذكاء الاصطناعي شريك مثالي للمهندسين والمصممين، إذ يساعدهم على تحويل الأفكار المبدعة إلى واقع ملموس بسرعة وكفاءة ومن تصميم مبانٍ أذكى وأكثر استدامة، تتكيف مع كل البيئات، مما يقلل من استخدام الموارد ويحافظ على الطبيعة.
هذه التقنيات الحديثة لا تقتصر -كما قال- فقط على التصميم، بل تمتد إلى إدارة المشاريع، والتخطيط، وحتى تنفيذ عمليات البناء بدقة عالية، فإلى جانب إعطاء جمالية للمباني والأحياء، وجعلها أكثر وظيفية واستدامة، ستكون متناغمة مع احتياجات سكانها، إذ تعمل المباني بتقنيات ذكية لإدارة استهلاك الطاقة وتحسين الظروف البيئية، مثل الأحلام ستتحقق في المستقبل، أما الملاعب والمتاجر والمشاريع التنموية الكبرى، فهي الأخرى -بحسب حريز- ستشهد تغييرات جذرية، ويمكننا تصور مساحات حضرية تتسم بالجمال الوظيفي، والذكاء، مواقع تكون مريحة ومستدامة لتحقيق التوازن بين التوسع الحضري والبيئة الطبيعية. ومن هذا المنطلق، ستكون للشركات الناشئة الفرصة السانحة – يؤكد حريز- للاستفادة من هذه الثورة الرقمية، في مجال التصميم والبناء، ضمن ابتكارات وحلول جديدة ومنه ولوج المنافسة في سوق الهندسة المعمارية وإحداث فرق حقيقي في القطاع لبناء شراكات إستراتيجية.
وفي السياق، قالت أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة أم البواقي، آمال بن زاوي، إن طلاب الجامعات بإمكانهم المشاركة في البناء والتعمير عبر برامج المسابقات والتدريبات وورشات العمل فضلا عن مشاريع البحث، لتطوير معارفهم، ليكونوا جزءا من هذه التقنية في مجال بناء الوطن وتعميره، فجامعتهم -تقول- بدأت تندمج في مجالات الابتكار والتكنولوجيا، ولديها فرق بحث تعمل على مواضيع تهم المدن الذكية والبناء المستدام، وأشارت إلى أنها انطلقت في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل وتطوير حلول جديدة، الأمر الذي يشجع الطلاب على المشاركة في مشاريع بحثية واكتساب مهارات تطبيقية، وتنوي الجامعة مستقبلا منح المزيد من الاهتمام لهذه التقنيات الحديثة، من خلال إجراء شركات مع مؤسسات محلية وأجنبية، خدمة لسوق العمل، وذكّرت المتحدثة بـwork shop الأخير الذي قام به قسم الهندسة بالجامعة ذاتها إذ جرى تكوين للطلبة بمشاركة مختصين وأساتذة وطلبة من داخل الوطن وخارجه، لكن تبقى -بحسبها- غير كافية لمواكبة التطورات الحاصلة في المجال عالميا.
أما بشأن الشركات الناشئة، فذكرت المتحدثة، أن هذه التقنية بإمكانها فتح فرص كبيرة لابتكارات جديدة في مجال البناء الذكي وفي تصميم المدن الذكية لهؤلاء وللمؤسسات المصغرة، كما اعتبرتها فرصة لربط الجامعة بالواقع، مذكّرة بأن هناك شركات ناشئة كبيرة أنشِئت خلال الـ5 سنوات الأخيرة بالشرق الأوسط والعالم، تعتمد على تخطيط مشاريع عقارية مستدامة وأظهرت تأثيرها على الاقتصاد، وهو ما يمكن للجزائر أن تسير وفقه، بالنظر إلى إمكاناتها الكبيرة للاستثمار في هذه الشركات التي يمكن أن تقدّم مستقبلا حلولا في القطاع وتساهم في تطوير اقتصاد الوطن.
لهذا السبب تأخرنا في استغلال الذكاء الاصطناعي
لا يختلف اثنان على أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير في مجال التصاميم مستقبلا والتي تعتبر من القواعد الأساسية في الهندسة المعمارية، من خلال تحسين طرق الابتكار سواء في الأنظمة الخارجية أم الداخلية للمنازل كضبط درجة الحرارة وشدة الإنارة وتوفير استهلاك الطاقة والتخلّص من النفايات بطرق مبتكرة، والعديد من الطرق التي يمكن تغييرها حتى بواجهات البنايات التي قد تضفي وجها آخر بما فيها بنيتها التحتية، فضلا عن فوائد أخرى في التكلفة والسرعة، إذ يتيح إنشاء عشرات التصاميم في دقائق قليلة، كلها ايجابيات لا تزال غير مستغلة من طرف المهندسين المعماريين الجزائريين، الذين تختلف آراؤهم حول التقنية، فمنهم من لم يسمع إطلاقا بإقحام الذكاء الاصطناعي في المجال، بحسب جولة رقمية بالفضاء الأزرق لدى أصحاب بعض المكاتب الذين استجوبتهم “الشروق اليومي”، ومنهم من ينوي إقحام عمله في المجال، لتتبّع ما يطرأ من تطورات جديدة على القطاع.
مريم، مهندسة معمارية بمكتب في ولاية سطيف، قالت إن ولوج عالم الذكاء الاصطناعي في مجالهم المهني يتطلب تكوينات مكثّفة تكلف أموالا طائلة بالعملة الصعبة، أغلبها تكون عن بعد.
وذهب مهندس بشركة “harmonia design”، إلى القول إنهم لم يفكروا في إقحام الذكاء الاصطناعي في مجالهم المهني، مذكّرا بأن التقنية هي عبارة عن مجموعة من الخوارزميات قادرة على مساعدة المهندس في علاج واجهة البناية، ولفت المتحدث إلى جملة من المشاكل التي تعترض إقحام التقنية بالمجال، منها الإجراءات البيروقراطية بالإدارة، انطلاقا من البلديات ومن ثم مصالح المراقبة التقنية للبنايات التي تعتبر قوانينها مضبوطة وصارمة خاصة بعد زلزال 2003، ولم يتم تكييفها بالمعطيات الراهنة واعتبر أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفيد في التصاميم، ولا يفهم في قوانين البناء الخاصة بنا، فان كان “الديزاين” -كما قال جميل- يمكن لهيئة المراقبة التقنية رفضه، وأعطى مثالا عن الشرفات لدينا لا يمكن أن تتعدى المتر والنصف، في حين قد يطلبها الذكاء الاصطناعي بأكبر من ذلك، ما يجبر على تغيير الحديد وما إلى ذلك.
من جهته، قال فيصل إبراهيم، مهندس بمكتب في موزاية بالبليدة، إنه يقوم بالبحث من حين لآخر في كيفية تشغيل التقنية، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يحل محل المهندس إطلاقا بل يساعده في تخفيض مشقة العمل، ولفت إلى أنه استطاع -على سبيل المثال- إدخال صورة بتقنية ثلاثية الأبعاد لـ”فيلا” بموقع مختص، طلب من خلاله منحه صورة تضم بعض الإضافات أو الأساسات، فقام الذكاء الاصطناعي هنا بمنحه العديد من الصور بتصميمات مختلفة وجميلة، وأضاف المتحدث أن قلة من المكاتب الهندسية عندنا تعتمد على هذه التقنية، لأنها مكلفة، كما أن الاشتراكات بتلك المواقع ليست في متناول من بدأ يكتشف هذا العالم الجديد.
وكانت “الشروق” قد استفسرت عددا من المهندسين المعماريين حول تقنية الذكاء الاصطناعي في مجال الهندسة والتعمير، غير أن البعض منهم تحفظ، في حين بقيت الأسئلة التي أرسلت للبعض الآخر بدون جواب.
أما بخصوص مجال نمذجة معلومات البناء، فيعتبر أسامة حلاسة، صاحب مكتب هندسة بالعاصمة، واحد من أبرز المهندسين الجزائريين الذي يملك معارف معتبرة حول تقنية “BIM”، قال عبر صفحته بـ”الفايس بوك”، أن التقنية من اختصاصه لسنوات خارج الوطن، كان حلمه رؤيتها تتحقق بالجزائر ويكون جزءا من صنعها من خلال منح دورات لمكاتب الدراسات عن قرب وعن بعد وهو ما بدأ يتجسّد بالتدريج في الوقت الراهن.
أكثر من 20 بالمئة نسبة تخفيض تكاليف البناء
وتقول أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة أم البواقي، آمال بن زاوي لـ”الشروق اليومي”، إن استعمال الذكاء الاصطناعي بإمكانه تخفيض تكاليف البناء بنسبة 20 بالمئة، والرفع من الإنتاجية بـ25 بالمئة، وهي أرقامٌ صريحة أكدتها مجلة شهيرة، وهي التكنولوجية التي يمكن استغلالها من أجل إنجاز المشاريع السكنية الكبرى مثل الترقوي المدعم والتساهمي و”عدل”، وتسريعها بأقل التكاليف لأن الذكاء الاصطناعي -بحسبها- يساعد في تحليل البيانات الخاصة بالموقع، والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، ومخططات سكن محسّنة تساعد المهندسين على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات واقعية، كما يساعد على التصميم في البناء بطريقة أسرع بنسبة 50 بالمئة.
البنايات القديمة هي الأخرى يمكن للذكاء الاصطناعي تحسينُها وتعديلها من خلال اقتراح حلول لإنقاص استهلاك الطاقة، وتعديلات على أنظمة التدفئة والتهوية، وجعل الإضاءة أكثر كفاءة. ولفتت المتحدثة إلى أن التقنية تستخَدم في متابعة حالة البنايات حتى يتم التنبؤ بالمشكل قبل حدوثه، ما ينتج عنه توفير الأموال والقيام بالتصليحات والحفاظ على البنايات لمدة أطول. فـالذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه في النمذجة والمحاكاة ويساعد في صنع نماذج أو تسريع نماذج ثلاثية الأبعاد لبنايات قديمة ونماذج أخرى تساعد في عملية الترميمات ويقترح حتى كيفية استعمال الفضاءات الموجودة، ويقترح تعديلات بالأماكن الفارغة والتي ليست بها حركة على مستوى المدينة مثلا، بإنجاز طرق تكون فيها حركة.
وعن أكبر المشاريع السكنية التي تعول الدولة على تحقيقها، أكد المهندس مزوزي أمين، لـ”الشروق اليومي”، رغبتهم كشركة في الفوز بالصفقات المقبلة، ضمانا لتسريع المشاريع، فما كان يأخذ من الدراسات 3 سنوات سيتقلّص إلى أقل من 3 أشهر، وهو ما يعود بالربح على الدولة في الجانب المتعلق بالوقت، والتكاليف هي الأخرى ستتقلص من 20 إلى 30 بالمئة. أما عن تصاميم تلك المشاريع التي عادة ما تتشابه ما بين ولايات الوطن، فأكد أن مهامهم تقتصر على الهندسة المدنية التي تعنى بالدراسات والمواقع والحسابات، أما الهندسة المعمارية التي تعنى بالرسم، فهو عالم آخر لم يقحم فيه الذكاء الاصطناعي بعد في الجزائر.
ولفت المتحدث إلى نظرتهم المستقبلية بإمكانية مواكبة الدول المتطورة مثل ما تسير عليه أمريكا التي لا يمكن لها أن تسبقنا في الوقت الراهن بـ100 سنة أو أكثر في هذا المجال مثلما كان عليه في السابق -كما قال- بل لا تزيد المدة عن سنة فقط، وذلك بفضل التطور التكنولوجي، معلّقا ذلك بالقول، إننا قادرون على نقل البرامج والتطبيقات وضبطها بقوانين جزائرية في فترة قصيرة.
مواد بناء مستدامة وآمنة
في قطاع يعدّ فيه توفير الوقت والمال أمرا بالغ الأهمية، أصبح الذكاء الاصطناعي الحل المثالي للتعامل مع التحديات المعقدة المرتبطة بمشاريع البناء، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة وفعالية المشاريع من خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات، وإتمام المهام الصعبة، ويغير الذكاء الاصطناعي الطريقة التي نخطط وننفذ وندير بها مشاريع البناء والتشييد، إذ بإمكان الذكاء الاصطناعي ضمان الجودة والفعالية في البناء ويمكن للشركات من خلال تحديد العيوب والنقائص في البناء حفاظا على معايير الجودة، وتقول في السياق الأستاذة بن زاوي، إن الذكاء الاصطناعي يساهم في الترميم المستدام، ويقترح كذلك مواد بناء مستدامة، فضلا عن إمكانية تحليل المواد المستعملة، كما يقدّم اقتراحات صديقة للبيئة، ويقوم في الوقت نفسه بالمحافظة على الجانب المالي والتقني على حد سواء من خلال اكتشافه للعيوب في وقت مبكّر ضمانا لجودة المباني وسلامتها.
نمذجة معلومات البناء
ذكرت أستاذة الهندسة المعمارية، بن زاوي، أنه من غير الممكن استعمال الذكاء الاصطناعي في إنشاء البنية التحتية في شتى مجالات المشاريع الكبرى والصغيرة للبناء في الجزائر، من دون اللجوء إلى استعمال ما يسمى بنمذجة المباني المعروف بـBIM، وهو نظام شامل يستغل خاصة في المشاريع الكبرى، معتمد في مختلف الدول العالم بما فيها الشرق الأوسط، مشيرة إلى أنه من الضروري دمج الذكاء الاصطناعي بهذا النظام، ضمانا لإبعاد مشاكل التنسيق بين الفرق المتدخلة في مشاريع البناء والتعمير، فمثلا مشاريع البناء الكبرى التي تعول عليها الدولة مثل الترقوي المدعم والتساهمي و”عدل” وغيرها سيساعدها BIM في تتبع مختلف أطوارها وحتى الصيانة وما بعد البناء، ويساهم في تجميع المعلومة في مكان واحد، تكون متاحة لجميع الأطراف المشاركة في المشروع الذي سيكون متكاملا سواء في الجانب المتعلق بالتخطيط أم البناء. وهو النظام الذي تحدّث عنه عدد قليل من المهندسين عبر الفضاء الأزرق، لغياب وصول المعلومات وآخر المستجدات في التكنولوجيات الحديثة من جهة، وغياب التنسيق بين أصحاب القطاع من جهة أخرى.
الذكاء الاصطناعي التوليدي
تقول الأستاذة بن زاوي، إن الذكاء الاصطناعي، يستطيع تغيير ممارسات البناء، يولّد تصاميم ذكية أو بما يسمى بـ”الذكاء الاصطناعي التوليدي”، حيث يمكن أن يقدّم تصاميم ذكية تتماشى مع طبيعة البيئة المحلية، فبإمكانه منح نماذج معمارية تتماشى مع أجواء مناخية مختلفة، لأن البناء في المناطق الصحراوية -كما قالت- لا يعادل البناء في الشمال وهكذا في مجالات أخرى.
وأشارت المتحدثة، إلى أنه لو نقوم بالتقاط صورة بحي معين في مدينة جزائرية، على سبيل المثال، ونطلب من الذكاء الاصطناعي تغييرها، فسيقدم حتما صورة أخرى محسنة، لكن بدون بيانات صحيحة وكاملة عن الهوية وعن البيانات الاجتماعية والاقتصادية، عن الأبعاد والمساحات، يزوّد بها الذكاء الاصطناعي، ليتمكّن من منح لنا صور أكثر واقعية منه من الخيال، فرغم أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يفتح أبواب الفعالية التي تعتمد على نوعية البيانات المدخلة، وإبداع المصممين المهندسين، لأن التصاميم -كما قالت- تبقى مرتبطة بالواقع لكي تتكامل مع الخبرة البشرية.
الجزائر بعد 20 سنة!
الثورة الحقيقية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة بمختلف دول العالم ودول الشرق الأوسط، تفرض على الجزائر مسايرة المجال، من أجل إحداث تغيرات على مخططات المباني والأحياء وإعطائها أكثر جمالية وتنسيق مع منح الجودة في البنية التحية للمشاريع، وقال المهندس أمين مزوزي، بخصوص مستقبل البنايات وصور وهندسة المدن وتغيير نمط البناء خاصة بالمدن الجديدة التي ستستحدث مستقبلا، إن التغيير وارد لكن ليس في سنة بل قد يأخذ منا الأمر أكثر من 12 سنة. أما المدن القديمة كعنابة، على سبيل المثال، التي تمتلك الكثير من الأحياء والنسيج العمراني القديم الذي يعود إلى العهد الكولونيالي، فأكد المتحدث أنه سينهار في يوم من الأيام أو سيهدم في وقت ما، ما عدا منها تلك المصنفة كآثار، وسيعوض لا محالة بآخر جديد مستقبلا.
من جهتها، تؤكد الأستاذة الجامعية بن زاوي، عن رؤيتها المستقبلية للجزائر خلال الـ20 المقبلة، أن الاستعمال الصحيح للذكاء الاصطناعي، سيقودنا حتما إلى بناء مدن ذكية، لكونه يساعد على تنظيم المرور، استهلاك الطاقة، فمثلا لو نأخذ -كما قالت العاصمة، وهران أو قسنطينة وسطيف كنموذج لمدن ذكية، يمكن أن يتم التحكّم في طرقاتها الواسعة من خلال تنظيم حركة المرور، استهلاك الطاقة، تقديم كفاءة أمثل في قطاع النقل، كما يمنح تصاميم محسّنة، ويستطيع المهندسون استعمال الذكاء الاصطناعي -بحسبها- لتوليد تصاميم ذكية تستغل الطاقة بشكل فعال ومستدام وبنسبة منخفضة كما تستعمل الموارد بشكل أحسن، ويساهم في تقليص التكاليف وحماية البيئة.. مدن الجزائر ستملك مستقبلا تخطيط حضري محسّن وذكي، كما تمنح التقنية تحليل بيانات السكان في المساحات الخضراء وغيرها.. مما يترك المدن أكثر تنظيم ومرونة في الطرقات والحد من الضغط على البنية التحتية وغيرها. أما المشاريع، فستكون مراقبة في الوقت الحقيقي وبمواقع البناء.