بقلم / نوال الزهراني
كانت أشعة الشمس تتسلل برفق عبر ستائر النافذة، تلقي بظلال دافئة على الجدران. كان الجو ساكنًا تمامًا، ومع كل نفس عميق، شعرت بجسدي يغرق في حالة من الاسترخاء ، أغمضت عينيّ ببطء، تاركة أفكاري تسبح بعيدًا .فجأة شعرت بأنني انزلق إلى زمن آخرلم أعد في غرفتي ، وجدت نفسي في ساحة واسعة أمام منزل قديم، مألوف بطريقة غامضة. لم أعد أرى نفسي كما أعرفها ،كنت أرتدي فستاني الطفولي المفضل، ذلك الفستان الذي طالما شعرت معه بحرية لا متناهية ،قدماي الحافيتان كانتا تلمسان العشب الناعم، والنسيم العذب كان يداعب شعري كما كان يفعل حينما كنت صغيرة.كل شيء بدا نابضًا بالحياة والبراءة ، كنت في حديقة منزلي القديم، حيث كانت هناك شجرة كبيرة أتسلقها باستمرار، وحيث كنت أجري بلا خوف، ألاحق الفراشات وأضحك بصوتٍ عالٍ، لا أفكر في الغد ولا أحمل أي هموم .كان العالم واسعًا وكبيرًا، لكنه في نفس الوقت آمن جدًا ومألوف ،صوت ضحكاتي الطفولية كان يملأ الأجواء، وكأنني لم أغادر تلك الأيام أبدًا.توجهت نحو باب المنزل، الذي بدا أكبر مما تذكرته، فتحته ببطء ، داخل المنزل، كانت كل التفاصيل حاضرة تمامًا كما تركتها. رائحة الخبز الطازج التي كانت دائمًا تملأ الأرجاء، وألعاب الطفولة المبعثرة في كل زاوية .تقدمت نحو المرآة الكبيرة في المدخل، وقفت أمامها، هناك ! كان انعكاس الطفلة الصغيرة يبتسم لي. تلك العيون البريئة ، المتلهفة لاكتشاف العالم، كانت تنظر إليّ بفضول، وكأنها تسألني عن العالم الذي ينتظرها.في تلك اللحظة، شعرت بمزيج من الفرح والحنين، كانت تلك الطفلة مليئة بالأمل، بلا أي ثقل يعيق قلبها ، كنت أشاهدها، وأرى فيها كل ما كنت عليه، وكل ما فقدته مع مرور الزمن. تأملتها وشعرت برغبة قوية في أن أحتضن تلك الطفلة، أن أقول لها إنها ستكبر، وستتغير، لكن عليها ألا تدع شيئاً يأخذ منها روحها الجميلة.وفجأة، بدأ كل شيء يتلاشى إلى أن اختفى .فتحت عينيّ ببطء كنت لا أزال في نفس المكان، في نفس اللحظة ، لكن داخلي كان هناك شعور مختلف. تلك الرحلة القصيرة إلى أعماق طفولتي كانت أكثر من مجرد استرجاع للماضي ، كانت لقاءً حقيقيًا مع جزء من نفسي قد نسيت تفاصيله. بقيت هناك للحظات، أسترجع شعور تلك الذكريات القديمة، وأدركت أنه مهما كبرت، تبقى بداخلي تلك الطفلة تنتظر مني أن أزورها ، وأطمئنها، وأقضي معها لحظات في عالمٌ نقي، مليء بالدهشة البريئة.