بقلم وديع بنجابي
مكة المكرمة ليست فقط مهد الإسلام ومهوى أفئدة المسلمين، بل هي أيضًا موطن لتراث طبيعي غني يعكس عبق التاريخ وجمال الطبيعة. من بين الكنوز البيئية التي تحتضنها هذه البقعة المباركة تبرز عشبة الأذخر، التي ارتبطت بحياة أهل مكة منذ القدم.
ما هي عشبة الأذخر؟
الأذخر، المعروفة علميًا باسم Cymbopogon schoenanthus، هي عشبة معمرة تنتمي إلى عائلة النجيليات، وتتميز برائحتها الزكية التي تشبه رائحة الليمون. تُزرع هذه العشبة في البيئات الحارة والجافة، وتنتشر بشكل طبيعي في أودية مكة وجبالها، مما يجعلها جزءًا أصيلًا من التنوع النباتي في المنطقة.
مكانة الأذخر في التراث الإسلامي
لعل أبرز ما يميز الأذخر هو ذكرها في السنة النبوية، حيث وردت في الحديث الشريف عندما استثناها النبي محمد صلى الله عليه وسلم من حظر قطع النباتات في مكة المكرمة، قائلاً: «إلا الإذخر». هذا الاستثناء يعكس أهمية العشبة في حياة أهل مكة، حيث كانوا يعتمدون عليها في بناء البيوت، وتطييب المدافن، وحتى في بعض الصناعات التقليدية.
فوائد الأذخر واستعمالاتها
لا تقتصر أهمية الأذخر على التراث الإسلامي فقط، بل تمتد إلى الفوائد الطبية والاستخدامات اليومية. فقد استخدمها القدماء كعلاج شعبي للتخفيف من مشكلات الجهاز الهضمي، وتهدئة الأعصاب، وطرد الحشرات. كما تُضاف أوراقها العطرة إلى المشروبات الساخنة لتمنحها طعمًا فريدًا ورائحة مميزة.
الأذخر في مكة اليوم
مع تغير أنماط الحياة، تراجعت زراعة الأذخر واستعمالاتها التقليدية، إلا أن الاهتمام بإحياء هذا التراث بدأ يعود بفضل الجهود البيئية التي تهدف للحفاظ على النباتات المحلية وتعزيز دورها في الاقتصاد المحلي.
إحياء الأذخر في مزرعة “العالم الصغير”
في خطوة رائدة، قام الخبير البيئي فالح المحمدي مؤخرًا بزراعة عشبة الأذخر في مزرعة “العالم الصغير” الواقعة في محافظة خليص. تأتي هذه المبادرة ضمن مشروع يهدف إلى إعادة إحياء النباتات المحلية وتشجيع استخدامها في الصناعات العطرية والطبية.
وأشار المحمدي في تصريح خاص إلى أن زراعة الأذخر ليست مجرد خطوة بيئية، بل هي رسالة للحفاظ على التراث الطبيعي لمكة وتعزيز هويتها النباتية. كما أوضح أن المزرعة تسعى لأن تكون مركزًا للإبداع البيئي، ما يجعل هذه المبادرة مثالاً يحتذى به في دعم الاستدامة والابتكار.
بهذه الخطوة، تواصل عشبة الأذخر، برائحتها الزكية وقيمتها التاريخية، كتابة فصل جديد في تراث مكة، لتظل شاهدة على العلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة في أقدس بقاع الأرض.