الفن التكعيبي يذوب في ألوان “المينا”: قراءة في بحث عبير الفتني


بقلم: وديع بنجابي – قسم الثقافة والفنون

في تقاطع فريد بين الماضي والحاضر، وبين الطليعة الأوروبية وروح الحِرف العربية، تقدم لنا الباحثة السعودية الدكتورة عبير أحمد الفتني دراسة علمية ثرية نُشرت مؤخرًا بعنوان:
“القيم الفنية والجمالية للتحولات الأسلوبية للشكل التكعيبي ومردودها على الأعمال الفنية المعالجة بتقنية المينا”.

بين التكعيب والمينا: لقاء غير متوقع

يعرف الفن التكعيبي بصرامته الهندسية، وزواياه الحادة، وتفكيكه للأشكال. أما تقنية “المينا” فهي فن قديم في زخرفة المعادن بالمينا الزجاجية المصهورة، وتُستخدم في الحُلي، والأيقونات، والأواني الفاخرة. أن تندمج هذه التقنية الشرقية/الغربية بمدرسة حداثية أوروبية، فذلك ما شكّل محور دراسة د. الفتني.

هدف الدراسة ومنهجها

سعت الباحثة إلى اكتشاف كيف تتأثر الأعمال الفنية المنفذة بتقنية المينا بتحولات الأسلوب التكعيبي—وتحديدًا عبر الانتقال من التكعيبية التحليلية إلى التكعيبية التركيبية.
استخدمت المنهج الوصفي التحليلي، مع عرض مجموعة من الأعمال الفنية التي أنجزتها بنفسها أو استوحتها من تجارب مشابهة، لتُظهر نتائج الدراسة عبر تجسيد بصري حيّ.

لوحة مشبعة بالضوء واللون

من أبرز ما يكشفه البحث هو أن تقنية المينا، رغم صلابتها، تمنح الشكل التكعيبي حياة جديدة عبر الانعكاسات اللونية والسطوع البصري، إذ تتحول الزوايا والأشكال إلى عناصر شبه عضوية تنبض بالحركة.
ويظهر ذلك في أحد الأعمال المستوحاة من بورتريه تكعيبي، حيث تُقسّم الملامح إلى كتل لونية متوهجة، كأنها فسيفساء زجاجية حديثة.

بين المعاصرة والتأصيل

تطرح الدراسة تساؤلًا مهمًا:

هل يمكن للفنان العربي/السعودي أن يُعيد إنتاج المدارس الفنية العالمية برؤية تقنية مستوحاة من التراث؟

وتُجيب الباحثة عبر أعمالها بأن هذا ليس ممكنًا فحسب، بل هو مسار إبداعي يحمل وعدًا بتجديد الفن المعاصر بلمسة محلية ذات طابع أصيل.


دعوة للقراء والفنانين

في زمن تسارعت فيه الحدود بين الأنماط، تقدم لنا د. عبير الفتني رؤية بصرية وفكرية تدعونا لإعادة التفكير في كيف يمكن أن يُعيد الفن تشكيل ذاته عبر الوسيط، لا عبر الفكرة فقط. وبين التكعيب والمينا، وجدنا متحفًا صغيرًا من الإمكانات.

شاهد أيضاً

تقديرًا لجهوده في أعمال دسك النشر موقع محبي مكة يشكر الشاب المبدع أنس عثمان البرناوي

من مؤسس موقع محبي مكة إلى الشاب المبدع، أنس عثمان البروناي بكل فخرٍ واعتزاز، وبقلوبٍ مفعمةٍ بالامتنان، …