بقلم المحامي وديع بنجابي
في زمن ليس ببعيد، كانت عبارة “استحي يا حرمة” جزءًا لا يتجزأ من ثقافتنا المحلية. كانت كلمة تُقال من باب التوجيه، وربما التربية، عندما يُرى أن هناك تصرفًا يخالف قيم المجتمع. بالنسبة لكثيرين، كانت هذه العبارة تحمل معاني الحياء والاحترام، وكانت تُستخدم للتأكيد على أهمية الحفاظ على القيم والأخلاق .لكن تلك الكلمة، رغم نواياها التي قد تبدو حسنة في ظاهرها، كانت تثير في النفوس مشاعر متباينة.
بالنسبة للبعض، كانت هذه العبارة مزعجة، تشعرهم بالضغط والتقييد في مجتمع كان يتمسك بقيمه بصلابة. لم يكن الجميع يرى فيها توجيهًا إيجابيًا؛ بل كان هناك من يرى فيها محاولة للسيطرة وفرض القيود دون مبرر، خاصة حينما يُسيء البعض استخدام دورهم و نفوذهم المجتمعي أو التربوي.ومع مرور الزمن، بدأت هذه العبارة تفقد بريقها، وأصبحت تُعتبر لغة غير لائقة.
في الوقت الحاضر، أصبحت كلمة “استحي يا حرمة” تحمل دلالات أعمق وأكثر سلبية. لم تعد مجرد توجيه أو نصيحة، بل تحولت إلى وسيلة لازدراء المرأة، والانتقاص من شأنها بطريقة غير مباشرة. تغيرت الظروف، وتغيرت معها نظرتنا لهذه العبارة التي كانت يومًا ما تعبيرًا عن نوستالجيا الزمن الجميل.في ظل مفهوم الصوابية السياسية الذي يهيمن على النقاشات المجتمعية اليوم، أصبحت العبارات التي تحمل طابعًا تقليديًا أو محافظًا تُراجع بعناية.
الصوابية السياسية تسعى إلى خلق بيئة لغوية تحترم جميع الأفراد وتراعي تنوعهم وتجنب العبارات التي قد تُعتبر مهينة أو تمييزية. في هذا السياق، تُعتبر عبارة “استحي يا حرمة” مثالًا على العبارات التي، رغم نواياها التقليدية، قد تُفهم على أنها تقيد حرية المرأة أو تقلل من احترامها بذاتها. الصوابية السياسية تشجع على استخدام لغة تُعبر عن الاحترام والتقدير دون أن تحمل في طياتها معاني قد تُسيء أو تُحط من قدر المرأة.
اليوم، عندما نسمع هذه الكلمة، نتذكر كيف كانت تعكس قيم المجتمع وتوقعاته، لكنها أيضًا تذكرنا بالتحولات الكبيرة التي شهدتها ثقافتنا.
أصبحت تلك العبارة رمزًا لصراع قديم بين التقاليد والتغيير، بين الحفاظ على القيم والتحرر من القيود. ومع تأثير الصوابية السياسية، أصبح هناك وعي أكبر بأهمية اختيار الكلمات بعناية لتعكس الاحترام والمساواة، مما يدفعنا لإعادة تقييم العبارات التقليدية التي قد تحمل دلالات سلبية.وربما يكون الوقت قد حان لنترك تلك الكلمات خلفنا، وأن نجد لغة جديدة تعبر عن الاحترام والتقدير دون أن تحمل في طياتها معاني الاستهانة أو التحقير. فالمرأة، مثلها مثل الرجل، تستحق أن تُخاطب بكلمات تعكس قيمتها الحقيقية في المجتمع، كلمات ترفع من شأنها ولا تقلل منه.
الصوابية السياسية تدعونا إلى تبني لغة شاملة ومحترمة، تساهم في بناء مجتمع أكثر توازنًا وعدلاً، حيث يُحتفى بكل فرد دون تمييز أو تقليل من قدره.
بذلك، يتحول نقاش “استحي يا حرمة” من مجرد تعبير ثقافي إلى فرصة للتفكير في كيفية استخدام اللغة بما يعزز الاحترام والمساواة، متجاوزين العبارات التي قد تحمل في طياتها معاني سلبية أو متحيزة. فلنسعَ جميعًا إلى لغة تعكس قيمنا المعاصرة وتحترم كرامة الجميع، مع المحافظة على الجوانب الإيجابية التي تعزز الاحترام والحياء الاصيل في ثقافتنا كما جاء في الحديث الشريف ( الحياة من الإيمان ) و ( الحياء لا يأتي الا بخير ) و ( الحياء خير كله )