كان هَمّ الفلاسفة الجمالي هو البحث عن المبدأ العميق الخافي وراء القيم الجمالية المختبئة وراء المرئيات وتجعل النفس البشرية تُعجب وترتاح وتستمتع عند رؤية هذا الشيء، وتفتقده وتتوحش له إذا غاب، إذا فالجمال إحساس داخلي يعود للفرد ذاته متذوقا كان أو فنان مبدع أو ناقد وعالم متخصص في علم الإدراك أو الحس والشعور والوعي ونظرياتها، شخص ذو عين ثاقبة في جماليات الفنون هي “استاطيقيا” كما أسماه الفيلسوف والعالم الألماني الكساندر بومقارتن 1735م كمادة فلسفية في كلية العلوم للبحث في الانفعالات والمشاعر ونشاطات وعلاقات الجمال النفسية والاجتماعية، وتناولها فلاسفة عظام مثل.
فيثاغوس: يرى أنه يكمن الجمال في العدد المتحرك في نسق عددي حسابي هندسي مكاني “التناسب”.
وارسطو: رأى أن الجميل هو الشي النبيل. والفن الجميل هو الذي يعمل من أجل الجمال فقط Pure art، ويرى أن التناسق والانسجام والوضوح هي أهم خصائص كتلة الشيء الجميل.
وعرّف افلاطون الجمال بأنه: “جمال الشيء هو الذي يرغمنا على الإعجاب به والرغبة فيه، والذي يرتبط بأبعاد ذات علاقة باستمرارية الانسان وأيضا بالحق والخير والأخلاق “.
وعند يبتز وكوزان وهتشسن الجمال هو “الوحدة مع التنوع”.
وعند ديكارت يكمن الجمال في العلاقة بين التذوق الفني والادراك العقلي يصل إلى معرفة الله سبحانه والارتباط به. ورأى ديكارت أن الجمال شيء نسبي ذاتي، وللإحساس الشخصي دور في تحقيق الجمال.
ويرى كانط أن الجمال ينبع من وجدان الإنسان وأنه مرهون بطريقة بناء للعمل الفني في تشابك العلاقات بعضها ببعض في تكوين واحد وهو شيء يدركه العقل ولا تدركه العاطفة، نظرة مجرّدة من النفعية والغرضية، وحدد الجمال في أربعة هي الكيفية، الكمية، النسبية، الشكل من أجل تمييز الجميل والعلمي والأخلاقي والعملي.
هيجل: يرى أن الفن هي أعلى أشكال الجمال، وهو تعبير عن الروح، وهو جزءٌ من النفس والدين والعقل، وصنّف جماليات العمارة فنونا رمزية، وفنون النحت كلاسيكية وضم في الفنون الرومانسية الرسم والموسيقى والشعر.
وليم هوجارت ربط الجمال بالإحساس الذي يميز الجمال الخالص والجمال النفعي. والطبيعة هي أم مصادر الجمال ومنها يكتسب الأفراد الحساسية الجمالية التي لها دور في إصدار الأحكام الجمالية والمقارنات المختلفة للأشياء.
ليبنز يرى أن الجمال هو إدراك خفي روحي، والبشر متفاوتون في إدراكهم للجمال الذي هو أزلي في الكون. ويرى أن تنمية الفرد جماليا مصدرها الذات وما يرتبط بها من أبعاد معنوية. ويعتبر أن إدراك الجمال أمر نسبي يتوقف على الفرد والمجتمع والتغيرات المؤثرة عليه سواء كانت هذه المؤثرات داخلية او خارجية من المحيطة بالإنسان. كما يختلف مفهوم الجماليات وفقا لنوع الأجناس وأدراك الجمال يرتبط بالدوافع والرغبات للفرد ومدى تعاطفه الجمالي مع المثير الجماعي الخارجي.
سنتيانا ربط الإجراءات الجمالي بالتكوين العضوي للجسم البشري كأنما يميل الإنسان إلى رؤية نفسه في القطعة الفنية، بما يتفق مع تكوينه العضوي يعد جميلا من الناحية الفنية وما لا يتفق مع ذلك التكوين يعد مرفوضا.
ويرى توفيق الحكيم أن الجمال هو “جمع أشياء متشابهة لا كل التشابه، مختلفة لا كل الاختلاف”.
ومن النقاد من حددوا الجمال لا بشكله الظاهر وانما بتأثيره على النفس فقالت أثل بفر: “قد تختلف اشكال الجمال وأساليبه لكن له في النفس أثرا واحدا يعرف به: “نشاط هادئ، أو هدوء نشيط”. ويرى بعض النقاد ان “الجميل هو الذي يرضي الجميع من غير قاعدة”، ومصدر الجمال هو الطبيعة والفنان. والجمال شيء نسبي فمنهم من قسمه الى حسي وروحي او ظاهر وباطن.
والجمال بصفه عامة في الفن هو حصيلة دراسية وخبرة وتأمل وتحصيل وتجارب وممارسة ومحاولة كشف العلاقات الدائمة للجمال والإبداع في اختيار العناصر والعزف بالقيم بصريا، وكل ما يدركه الإنسان ويُسر له ويبتهج به ويحسه معنىً وشعور وعاطفة. الجمال هو الكمال للعين والدلال للقلب والمسرّة للروح، وهو عكس القبح وكل ما يزعج النفس وتفر منه الروح. الجمال شيء نسبي يتفاوت من جيل لجيل ومكان لمكان وإنسان للآخر، والشخص نفسه متقلّب في أحكامه الجمالية حسب مزاجه، إنها عملية غامضة ومعقدة وغير مستقرة.
س: للعين الثاقبة، كيف تكون “الاستاطيقا” الدراسات الجمالية علم؟ أين مقاييس ومعايير وقوانين الجمال الثابتة والمتفق عليها جماعيا؟
د. عصام عسيري🌹