بقلم خالد عثمان
لما جيء بسبايا بني طيء إلى المدينة المنورة وأدخل السبي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، دخلت مع السبايا “سفانة بنت حاتم الطائي” .
فقالت:
-يا محمد … هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي الأعداء من قبائل العرب، فإني ابنةُ سيد قومه، وإن أبي كان يُحب مكارم الأخلاق، وكان يُطعم الجائع، ويفكُ العاني ويكسو العاري، وما أتاهُ طالب حاجة، إلا ورّدهُ بها معززاً مكرّماً..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
-من والدك ومن وافدك؟
قالت: والدي حاتم بن عبد الله الطائي، ووافدي أخي عدي بن حاتم.
{وكان عدي قد فرّ الى الشام بعد هزيمة قبائل بني طي أمام المسلمين في السنة التاسعة من الهجرة، ثم تنصّر هناك والتجأ إلى ملك الروم}، فقال صلى الله عليه وسلم:
فأنت ابنة حاتم الطائي؟
قالت: بلى..
فقال صلى الله عليه وسلم:
يا سفانة.. هذه الصفات التي ذكرتيها إنما هي صفات المؤمنين، ثم قال لأصحابه: أطلقوها كرامة لأبيها لأنه كان يحب مكارم الأخلاق!!
فقالت: أنا ومن معي من قومي من السبايا والأسرى؟
فقال صلى الله عليه وسلم: أطلقوا من معها كرامة لها ولأبيها، ثم قال صلى الله عليه وسلم :
{ارحموا ثلاثاً، وحق لهم أن يُرحموا: عزيزاً ذلّ من بعد عزّهِ، وغنياً افتقر من بعد غناه، وعالماً ضاع ما بين جُهّال}
فلما رأت سفانة هذا الخلق الكريم الذي لا يصدر إلا من قلبٍ كبير ينبض بالرحمة والمسؤولية، قالت وهي مطمئنة: أشهد أن لا إله إلا الله….. وأشهد أن محمداً رسول الله، وأسلم معها بقية السبي من قومها، وأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غنمه المسلمون من بني طيء إلى سفانه، ولما تجهزوا للرحيل قالت سفانة: يا رسول الله إن بقية رجالنا وأهلنا صعدوا إلى صياصي الجبال خوفاً من المسلمين فهل ذهبت معنا وأعطيتهم الأمان حتى ينزلوا ويسلموا على يديك فإنه الشرف؟
فقال: صلى الله عليه وآله وسلم: سأبعث معكم رجلاً من أهل بيتي يحمل إليهم أماني، فقالت : من هو يا رسول الله؟
قال: علي بن أبي طالب..
ثم أمر النبي أن يجهزوا لها هودجاً مبّطناً تجلس فيه معززة مكرمة وسيرها مع السبايا من قومها ومعهم علي بن أبي طالب حتى وصلوا إلى منازل بني طي في (جبل أجأ)
ونادى علي بن أبي طالب بأمان رسول الله بأعلى صوته حتى سمعه كل من في الجبل فنزل رجال طي وفرسانها جماعات وفرادى إلى الوادي، فلما وقعت أبصارهم على نسائهم وأبنائهم وأموالهم وقد عادت إليهم بكوا جميعاً والتفوا حول علي بن أبي طالب وهم يرددون الشهادتين ،فلم يمض ذلك اليوم إلا ودخلت كل قبيلة بني طيء في الإسلام ، ثم بعثت سفانة الى أخيها عدي تخبره عن عفو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرمه وأخلاقه ،وحثّتهُ على القدوم إلى المدينة المنورة ومقابلة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والاعتذار منه والدخول في الإسلام ،فتجهز عدي من ساعته وقصد المدينة ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأسلم على يديه الشريفتين، ثم عاد الى قومه معززاً مكرماً وصار بعد ذلك من خيار المسلمين..
هكذا نرى كيف أن هذا الخلق النبوي قد جعل من الناس العصاة بشر طائعين مسلمين هذا هو الإسلام الحقيقي أخلاق ومكارم وعفو، وليس شهوة وسلطة، ومن تخلّق بعكس ذلك فهو ليس من الإسلام في شيء …
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ……
و صلِّ على محمد وآله وصحبه أجمعين .