محبي مكة Makkah lovers
د. حسين سندي *
أحبتي- الفُتات، رغم بساطته، هو ساحر الطهي الذي يحول بقايا الخبز الجاف إلى كنوز. من الأمثلة على ذلك: الإيطاليون يصنعون البانغراتو لتزيين المعكرونة والشوربات، ويُحوّله اليابانيون إلى بانكو لتكون التمبورا مقرمشة. في إسبانيا طريقة الطهي الميكاس migas تحول الخبز القديم إلى وجبة مع الثوم والسجق، وفي الهند يُثخّن الصلصات أو يربط البطاطا. طحين المازة لدى اليهود يشكل قاعدة الزلابية والبطاطا المقلية. ولدينا في السعودية، عينة صغيرة على حسن التدبير وتقليل الهادر من فتات الخبز : أكلة المرقوق ومشروب السوبيا (بعض منها) وغيره كثير ، ولدى المصرين الفتة، بينما في الأردن ولبنان وسوريا وفلسطين يستخدموه في حشوات الكبة والأرز . أما وجبة الثريد تصنع معظمها من فتات الخبز وهي موجودة في معظم المطبخ الشرقي بمسميات مختلفة. في تونس وغرب ليبيا يطلق عليها “فتات”، وفي شرق ليبيا يطلق عليها “مثرودة”، وتُعرف في المغرب بـ “الرفيسة” أو “ثريد” وفي الجزائر تُسمّى الشخشوخة: كل ثقافة تهمس بنفس الحكمة: لا شيء تافهُ لإهداره. في زمن الأزمات والكوارث والمجاعات وحتى في أوقات الرخاء والوفرة، هذه التقاليد تُقدّم خارطة طريق. كل فتوتة تُنقذ هي خطوة نحو الاستدامة، واحترام للجهد والمياه والطاقة المخبوزة في كل رغيف.
لمُسرّفي الطعام الذين يلقون به دون اكتراث: الفتات رمز لترابط موارد الأرض. إهدار الطعام ليس مجرد رمي بقايا، بل تبديد لهبات الطبيعة المحدودة. دعوا الفتات يكون معلمًا. رحلته من الحقل إلى المائدة، وإحياؤه في مطابخ العالم، تذكرنا أن الندرة والوفرة وجهان لعملة واحدة. هذه القطع الصغيرة تُعيد الروح للأطباق، يثبت أن حتى الخبز اليابس يمكن أن يصبح طبقة مقرمشة أو مادة لتماسك الأكل. تنوعها، عبر الثقافات، شهادة على براعة البشر في تقليل الهدر. قبل رمي الطعام، اسأل: هل يمكن أن يصبح وجبة أو طبقة أو مكثفًا أو مشروب أو زينة؟ هل ممكن أتصدق به؟ مقالتي هذه أوجهه لنفسي وأسرتي أولاً، ومن ثم للجميع: لا للإسراف في عالم نشاهد وعلى شاشات التلفاز انه لا يزال الجوع يطارده. أحيانًا، أصغر الأشياء تُعلّمنا أعظم دروس الامتنان. وأعتذر عن الإطالة.
*هذه المقالة استلهمت فكرتها من شاشات التلفاز والمضمون تجميع من الكتب والانترنت، وبعض من المعلومات والوجبات لم أعرفها في السابق.
