بقلم وديع بنجابي
في زاويةٍ صغيرة من أرض تحتضن الحلم وتتحدى الصعاب، وفي موقع يروي قصة حبٍ عميق للأرض والبيئة، غرست شتلة جوجوبا صغيرة لتكون رمزًا للتجديد والابتكار في الاستدامة، هنا تبدأ الحكاية التي تحملها صحيفة “محبي مكة” إلى قرائها الأعزاء.
هذه الشتلة ليست شجرة عادية، بل هي ثمرة جهود الدكتور طارق مكي ، الرجل الذي وهب نفسه لجعل المستحيل ممكنًا، وسعى إلى تحويل مزرعته الخاصة إلى خريطة عالمية تعبر عن شغفه الكبير برؤية العالم في قلب صغير. في مكان تحمل كل زاوية فيه رمزًا وذكرى، تأتي شتلة الجوجوبا لتشغل مكانًا مميزًا؛ ليس فقط لأنها إضافة خضراء، بل لأنها تعبيرٌ عميق عن التزامه نحو الأرض وحفاظه على البيئة.
بدأت الحكاية عندما أحضر الدكتور مجموعة من بذور الجوجوبا، تلك الشجرة التي تعتبر كنزًا صحراويًا بقيمتها البيئية والاقتصادية، نبات الجوجوبا (Simmondsia chinensis)، وهو شجيرة صحراوية دائمة الخضرة تُعتبر من النباتات الاقتصادية الواعدة نظرًا لقيمتها البيئية والصناعية. يعود موطن الجوجوبا إلى شمال غرب المكسيك وأريزونا وجنوب كاليفورنيا، وقد اكتشف العالم إمكانياتها الواسعة كبديل طبيعي لزيت حوت العنبر بعد حظر صيد الحيتان. تتسم الجوجوبا بقدرتها الفائقة على التكيف مع البيئات القاسية وتحملها للملوحة والجفاف، ما يجعلها مناسبة للزراعة في الأراضي الصحراوية .
تُنتج بذور الجوجوبا زيتًا يصل إلى نصف وزنها، ويشابه زيت حوت العنبر من الناحية الكيميائية والطبيعية. يُستخدم هذا الزيت في صناعات عديدة، مثل مستحضرات التجميل، زيوت المحركات، والوقود الحيوي (البايوديزل)، حيث يتميز بقدرة تشغيلية أعلى واستقرار في درجات الحرارة العالية. بالإضافة إلى ذلك، يوفر نبات الجوجوبا إمكانية التوسع في فرص العمل، خاصة للشباب والنساء، ويحقق عوائد اقتصادية مرتفعة.
الجوجوبا تمثل تكاملًا مثاليًا بين الزراعة والبحث العلمي والصناعة، فهي شجيرة قليلة الاحتياج للماء، تتحمل العطش، وتقاوم الآفات والأمراض. تساهم زراعتها في تحسين البيئات الصحراوية، وتقليل الاعتماد على البترول بفضل قدرتها على إنتاج زيت يُعد من البدائل المستقبلية للبترول في مجالات عديدة، مما يعزز مكانتها كـ”ذهب أخضر” في الاقتصاد الزراعي والصناعي.
وبمبادرة ودعم من الأستاذ فالح المحمدي، الناشط البيئي و مستشار الاستدامة والشراكة المجتمعية وبدلاً من الري التقليدي، قرر أن يروي أولى شتلات الجوجوبا بماء المكيف المعاد تدويره، خطوة جديدة في الاستدامة تفتح نافذةً نحو المستقبل. ، تجسدت هذه الفكرة الفريدة لتؤكد أن الحلول المستدامة تنبع من الابتكار والوعي.
هذه الشتلة الصغيرة التي تغمرها قطرات ماء مكيف نقي، تعبر عن أكثر من مجرد نبات. إنها رمزٌ لحياةٍ نابضة بروح البقاء والانتماء للأرض. الشتلة التي ربما تبدو صغيرةً في الحجم، تأخذ مكانًا عظيمًا في “القلب الصغير للعالم”، رمزًا للقوة والجمال التي تنعكس بهما حياة محتضنيها. إنها تعبيرٌ عن التزام شخصي نحو مستقبل الأرض، أملًا في أن تنمو وتزدهر تحت الرعاية المستمرة، وتصبح شاهدة على رحلة حياة الإنسان والطبيعة في آنٍ واحد.
إنها ليست مجرد شتلة جوجوبا؛ إنها نبض حياة، قصة أمل، وصورة حية عن عالم يزدهر بالحب، الاحتواء، والشراكة المجتمعية.